الحج والسياحة في مستقبل السعودية

تعمل المملكة العربية السعودية في مجال السياحةمنذ أكثر من 14 قرناً، وذلك بفضل مناسك الحج والعمرة. لطالما كانت السياحة الدينية إحدى الطرق القليلة التي يمكن للزوار من خلالها دخول المملكة – موطن مكة والمدينة، أقدس مدينتين في الإسلام.

هذه الميزة تجعل المملكة العربية السعودية وجهة للغرباء. بين الحج، الذي يحدث في أوقات محددة كل عام، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، والعمرة، وهي حج إلى الأماكن المقدسة يمكن أن تتم في أي وقت، استضافت المملكة 9.5 مليون حاج ومعتمر في عام 2019 قبل بدء جائحة فيروس كورونا.

مع إكمال المصلين المسلمين لأداء فريضة الحج. على المملكة العربية السعودية أن تمضي قدمًا في خططها لإعادة تشغيل قطاع السياحة العلماني الناشئ في المملكة كجزء من جهودها المستمرة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

تطوير القطاعات السياحية

 يمكن للمملكة أن تطور قطاعها السياحي لجذب المزيد من الزوار الأجانب في موسم الحج وإبقاء المزيد من السعوديين يقضون عطلاتهم في منازلهم بدلاً من السفر إلى الخارج.

يمكن للرياض الاستفادة من سوق سياحي يتجاوز الحج كجزء من مخطط رؤية 2030 للحاكم الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتطوير الاقتصاد بما يتجاوز عائدات النفط.

في سبتمبر 2019 ، قدمت الرياض تأشيرة إلكترونية سياحية تهدف إلى جذب الزوار والسياح غير المسلمين. لكنها بالكاد بدأت عندما تسبب فيروس كورونا في توقف صناعة السياحة العالمية منذ 2020. كما أثرت القيود الوبائية على صناعة السياحة الدينية الراسخة في السعودية بشدة.

يمكن للمملكة العربية السعودية جذب 100 مليون سائح سنويًا بحلول نهاية العقد وزيادة عدد الزوار المتدينين من 17 مليونًا إلى 30 مليونًا بحلول عام 2025 وذلك بحسب الدراسات التي أفضت إلى اطلاق رؤية 2030.

لاستيعاب هؤلاء الزوار المأمولين، على الحكومة السعودية توسيع البنية التحتية للسياحة كما يجب أن تجعل الدولة المحافظة تاريخياً وجهة أكثر انفتاحًا وتنوعًا للزوار الغربيين والسياح الدينيين على حد سواء.

السؤال الكبير هو: هل يمكن للسعودية جذب عدد كافٍ من المسافرين لجعل المشاريع السياحية مجدية؟

يمكن رؤية حجم طموحات المملكة العربية السعودية في المشاريع العملاقة التي تقوم بها. تقوم شركة البحر الأحمر للتطوير – وهي شركة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، صندوق الثروة السيادي للمملكة – ببناء 50 فندقًا و 1300 وحدة سكنية على طول ساحل البحر الأحمر في البلاد كجزء من منتجع الشعاب المرجانية الصديق للبيئة.

يستثمر صندوق الاستثمارات العامة، المكلف بنشر الثروة النفطية للبلاد في صناعات أكثر استدامة، في عاصمة ترفيهية تبلغ مساحتها 334 كيلومترًا وفي مدينة نيوم الصحراوية العملاقة الخالية من الكربون والتي تبلغ 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الزاوية في خطط التحول الاقتصادي لمحمد بن سلمان.

لكن السعودية تواجه منافسة شديدة من جيرانها. تقع مصر عبر البحر الأحمر، حيث تنتشر على الساحل منتجعات شاطئية كبيرة، مثل شرم الشيخ. لقد كانت تعمل منذ عقود وتتمتع بميزة الأسعار المنخفضة، ناهيك عن القواعد الاجتماعية المريحة ومبيعات المشروبات الكحولية.

إلى الشمال، أصبح الأردن أيضًا مركزًا سياحيًا رئيسيًا يجتذب الزوار إلى مواقع مثل البتراء ووادي رم، بينما تضاعف الإمارات العربية المتحدة قطاع الضيافة كجزء من جهودها لفطم اقتصادها عن الوقود الأحفوري.

السياح الجاهزون

لكن المملكة العربية السعودية لديها ما لا يمتلكه جيرانها: أقدس مزارين في الإسلام.

إن المملكة عازمة على جذب المزيد من السياح الغربيين والمسلمين على حد سواء، لكن الوصاية على الأماكن المقدسة تمنح المملكة مزايا واضحة في موسم الحج. الحجاج بشكل افتراضي يصبحون سائحين وليس هناك دولة أخرى لديها ذلك. الحجاج يريدون أن يذهبوا إلى مكة والمدينة، ولكن لماذا لا نعطيهم خيارات للذهاب إلى مكان آخر بعد ذلك؟

قد يجد السائحون الدينيون أنفسهم أيضًا أكثر راحة في منتجع أو مدينة يقدم لهم كل الخدمات السياحية بالقرب من أماكن سياحتهم الدينية وبدون الإضطرار إلى السفر مرّة أخرى إلى بلد آخر وهذه هي النقطة التي يمكن أن تستفيد منها المملكة.

تملك المملكة بالإضافة إلى مكة والمدينة العديد من الأماكن التاريخية السياحية التي تعود إلى فترة ما قبل الإسلام و فترة بداية الإسلام. حي الطريف في الدرعية على سبيل المثال الذي انضم إلى قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) في عام 2010. مدينة جدة أيضاً التي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام، واحتلّت مكانة مهمة عبر ‏الحضارات ‏المختلفة.

علاوة على مواقع جبة وراطا والمنجور ” الشويمس” في منطقة حائل، والتي تعتبر من أهم وأكبر المواقع الأثرية في السعودية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد.

واحة الإحساء أيضاً والتي تعد من أكبر وأشهر واحات النخيل الطبيعية في العالم. وفي الجنوب توجد آبار حمى وتعتبر من أهم المواقع الأثرية في نجران، وهو طريق يمتد بين 6 آبار صخرية، والذي كانت تمر من خلاله القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلي شمالها للتزود بالماء من الآبار خلال السفر.

كما يمكن لجهود المملكة لتطوير قطاع السياحة أن تدر أرباحًا أقرب إلى الوطن إذا تمكنوا من إبقاء المواطنين السعوديين – وإنفاقهم لقضاء العطلات – في المنزل.

أنفقت المملكة 22 مليار دولار في السفر إلى الخارج في عام 2019. في بلد أكثر من نصف سكانه دون سن الثلاثين، يسافر العديد من المواطنين إلى الخارج بحثًا عن خيارات الترفيه.

إن الإصلاحات الاجتماعية التحررية التي قادها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سواء كان ذلك السماح بالنشاطات السياحية والفعاليات الثقافية بإجواء أكثر تحرراً، تتعلق بتحديث المجتمع وتقوم بإغراء الشباب السعودي لقضاء إجازاتهم في بلدهم. علاوةً على تشجيع الحجاج لقضاء المزيد من الوقت على أراضي المملكة وإنفاق المزيد من الأموال في الأماكن السياحية المستحدثة. الأمر الذي يعود على السعدية بعائد مادي كبير ويحقق الإستدامة التي لا يمكن تحقيقها بالإعتماد على النفط.

المصدر: أخبار السعودية24