مع كل موسم حج يقبل الحجاج ملبين رجالا ونساء في شوق وتوق إلى المشاعر المقدسة، وداخل كل مشعر، نسمع عن قصة إنسانية تتناول حجاجا ظلوا يجمعون المال لسنوات، أو جمعهم الرحمن بذويهم بعد فراق طويل. وأبطالها رجال أمن وعاملون في مختلف الجهات الحكومية ومتطوعون، جميعهم يسعى إلى مرضاة الله سواء بأداء الفريضة أو مساعدة الناس، فالحج فريضة وشرف وواجب.

بعد معاناة

مع الفراق لمدة 15 عاما، التقت الحاجة السورية التي جاءت إلى المملكة لأداء فريضة الحج، ابنتها، وحفيدتها. رأت ابنتها ففاضت مشاعر الشوق والفرح، وهي في المشاعر المقدسة. لقد جاءت مشتاقة للقاء الله، فأكرمها بلقاء ابنتها بعد ألم الفراق بسبب الحرب، حيث لم يكن هناك لقاء سوى التواصل الهاتفي.

استشهاد الابن

مسنة سورية، رأت في المنام أن ابنها البالغ من العمر 18 عاما، استشهد في الحرب، فاستيقظت على رؤية محققة، فجاءت إلى المشاعر المقدسة لتدعو له، وقد كانت تتمنى أن يكون معها ليحملها عند التعب، لأنه كان دائما يعدها بأن يحج بها قبل استشهاده، لكنها صادفت رجل أمن سعودي ساعدها عوضا عن ابنها.

لقاء الأخوين

التقى الأخوان سمير وبشرى بعد غياب 15 عاما بسبب الهجرة، مصادفة في الحج، فقد هاجر سمير من فلسطين إلى أستراليا لتلتقي بشرى أخاها في مجلس مخيم الحجاج، واجتمعت بشقيقها من جديد. وقبل أن يتمكن منه اليأس، رأى أخته، وجمع هذا المشعر الطاهر الشمل بينهما.

تكاليف العلاج

جاء الحاج المغربي إلى الحج (عاملا فيزيائيا في مستشفى). كان مسؤولا عن مريض يعاني من الشلل، وفجأة غادر المستشفى، فسأل والدته عن سبب المغادرة، فقالت إن المستشفى منعتنا من البقاء حيث لا نقدر على سداد تكاليف العلاج. كان هذا الحاج قد جمع مبلغ الحج لسنوات، لكنه قرر أن يسدده للمستشفى لعلاج المريض لستة أشهر مقبلة، وألغى فكرة الحج. نام واستيقظ على هاتف من صاحب المستشفى يطلبه أن يرافقه إلى الحج على أن يتكفل هو بكل القيمة، وعليها مكافأة له أيضا، فلم يصدق هذا الحاج المفاجأة وخر ساجدا لله.

مشيا على الأقدام

تمكن الحاج الإندونيسي محمد خميم (28 عاما) من أداء مناسك الحج بعد الخروج من جاوا الوسطى في العاشرة مساء إلى السعودية سيرا على الأقدام، في رحلة استغرقت عاما كاملا قطع خلالها أكثر من 9 آلاف كيلومتر سيرا على أقدامه. وكانت الرحلة مليئة بالمخاطر وغنية بالروحانيات، حاملا (حقيبة ظهر، ونسخة من القرآن الكريم، وزوجين من القمصان، واثنين من السراويل والأحذية، و12 زوجا من الجوارب، وملابس داخلية، وكيسا للنوم، وخيمة، وبطارية جوال، وعلما إندونيسيا صغيرا، وجهاز «جي بي إس»، و3 ملايين روبية إندونيسية (850 ريالا سعوديا).

اقرأ ايضاً
خدمة إلكترونية مؤقتة لتصحيح الرخص البلدية

في المستشفى

في المشاعر رجالا ونساء من السعودية يساعدون ويوجهون بل ويضحون بأنفسهم وذويهم من أجل ضيوف الرحمن. رجل أمن، استأذن والدته وهي في العناية المركزة بالمستشفى، ليذهب إلى المشاعر المقدسة يقدم الواجب للحجاج. ورغم أنه كان قلقا على أمه وهي مريضة، فإنه أراد أيضا خدمة الحجاج في بلده. وفي الحج شارك في إنقاذ مسن مصاب، مؤكدا أن الإنقاذ يشمل جميع الحجاج بمختلف جنسياتهم فلا فرق بين المواطن والمقيم والزائر.

إنقاذ مصاب

تركت موظفة إدارية في وزارة الصحة عملها واتجهت تنقذ حاجا مصابا رأت أن رأسه ينزف دما. أخذته سريعا إلى الطوارئ في المستشفى، لم تفكر أن هذا ليس من صميم عملها، بل فكرت في أنه كما لو كان زوجها فتساعده. وعندما وصلت به إلى قسم الطوارئ سقط أرضا مغشيا عليه، لكنه كان في أيد أمينة، وفي الوقت المناسب، بل إنها قد سجلت اسمها للتبرع بدمها له أو لغيره.

خير الجزاء

أطفال مكة المكرمة يعتبرون أنفسهم رجالا كبارا في موسم الحج، يخرجون لنقل الحجاج على عربات متحركة بمقابل أو من دون مقابل. يتسامحون مع المحتاج بتوصية من والديهم، على أمل أن يكتب لهم الله خير الجزاء، ويجد والديهم من يساعدهم إذا ما احتاجوا مستقبلا. يقول أحدهم «أساعد كبار السن بتوصية من والداي، حتى يجدوا من يساعدهم إذا ما احتاجوا يوما». ويقول آخر «إذا لم يسدد الحاج لي شيئا أسامحه إن لم يكن لديه مال، فالله سيعوضني بغيره خيرا كثيرا».

بح صوته من الإرشاد

إرشاد الحجاج مطلب السعوديين وسلامتهم غاية عظيمة. مدير محطة قطار يمسك بمكبر الصوت لإرشاد الحجاج حتى بح صوته، بحثا عن أسمى معاني الإنسانية كما يقول، سعيدا بسماع الدعاء وكلمات الثناء من الحجاج، وهو أكبر مقاصده في هذا الموسم، مؤكدا ان خدمة ضيوف الرحمن شرف وواجب.