التغيرات المناخية تدق «أبواب العرب»: أمطار صيفية رغم الجفاف

التغيرات المناخية تدق «أبواب العرب»: أمطار صيفية رغم الجفاف

«يمكن لجرعة واحدة من الدواء تخفيف أعراض المرض، لكن العلاج عادةً ما يتطلب برنامجاً مستداماً من الأدوية»… هذا التشبيه الذي أورده موقع «أميركان جيوساينس»، رداً على سؤال استقبله حول أسباب عدم زوال الجفاف من مناطق أميركية رغم حدوث المطر الكثيف، يفسر إلى حد كبير، تلك المفارقة التي آثارها ناشطون عرب مؤخراً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عندما رأوا أن المطر الكثيف الذي استقبلته عدة دول عربية، مناقضاً لوصف منطقة الشرق الأوسط بأنها تعيش أقسى موجات الجفاف.
وشهدت دول الخليج العربي أمطاراً صيفية كانت غزيرة ووصلت لدرجة السيول في الإمارات العربية المتحدة والكويت واليمن، وقبلها بشهور استقبلت الجزائر أمطاراً في شهر أبريل (نيسان)، غير أن هذا الهطول الكثيف للأمطار في غير موعدها لا يناقض حالة الجفاف، التي تحتاج للتخلص منها، وفق تشبيه الموقع الأميركي، إلى سقوط معتدل للأمطار على مدى عده أشهر، حتى تمتصه الأرض، مثلما يمتص الجسم جرعات الدواء على المدى الطويل، لكن سقوط كمية كبيرة من الأمطار في وقت قصير جداً، لا يعالج الجفاف، لأن الأرض ستكون كالمريض الذي يكتفي بجرعة دوائية واحدة، تخفف الأعراض ولا تقضي على المرض.
وتعيش منطقة الشرق الأوسط مع موجة جفاف وُصفت بأنها الأسوأ منذ 900 عام، وفقاً لدراسة أصدرتها وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» في مارس (آذار) 2006، ولم يتحسن الحال منذ صدور الدراسة، وحتى العام الماضي، بل إن الوضع أصبح يسير نحو الأسوأ، ووصفت الإمارات، عبر مركزها الوطني للأرصاد، العام الماضي، بأنه الأكثر جفافاً خلال الـ19 عاماً الأخيرة.
ولا يبدو الوضع أفضل حالاً في دول العالم الأخرى، فعالمياً حذّرت منظمة الأمم المتحدة في تقرير لها صدر في مايو (أيار) من العام الجاري بعنوان «الجفاف بالأرقام 2022»، من موجة جفاف عالمية قد تؤثر على ثلاثة أرباع سكان الأرض مع حلول عام 2050، وأشار التقرير إلى أن نسبة الجفاف في العقدين الأخيرين ازدادت على الأرض بنسبة 29 في المائة.
وبينما لا تزال أصداء تلك التقارير المرعبة حاضرة في الأذهان، جاءت الأمطار الصيفية الغزيرة غير المعتادة، التي حدثت مؤخراً في عدد من الدول العربية، لتلقي بظلال من الشك حول مدى دقة هذه التقارير، غير أن نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أزال هذا اللبس بتفسير علمي لما جاء في التشبيه الذي أورده الموقع الأميركي.
يقول نور الدين لـ«الشرق الأوسط»: «ليس معنى هطول مطر كثيف أنه لا يوجد جفاف شديد، ذلك لأن شدة المطر وشدة الجفاف، هما من (الظواهر المناخية الجامحة)».
وتوقعت دراسة نشرتها دورية «ساينس أدفانسيس» في 28 يونيو (حزيران) 2017، أن هذه الظواهر ستكون أكثر تواتراً، بسبب تأثيرات التغيرات المناخية.
وتسبب التغيرات المناخية، ما باتت تُعرف بظاهرة «الاحتباس الحراري»، وما ينجم عنها من ارتفاع في درجات الحرارة، وهو ما سيجعل من تكرار تلك الظواهر الجامحة «الجفاف الشديد والهطول الكثيف للأمطار»، أمراً معتاداً، وقد يتسبب ذلك في إلحاق أضرار بالغة بالقطاعات الزراعية الاقتصادية، ما لم يكن العالم مستعداً بالقدر الكافي لمواجهة تلك التهديدات، كما يؤكد نور الدين.
وشدد نور الدين على أهمية استعداد الدول العربية الكافي للتعامل مع هذه الظواهر الجامحة، مشيراً إلى أهمية وجود آلية لتخزين المياه في فترات الهطول الكثيف للأمطار، للاستفادة منها، بدلاً من أن تتحول لأداه تدميرية.
ما دعا له نور الدين، طالب به أيضاً، محمود نادي، باحث التغيرات المناخية بجامعة «بون» بألمانيا، والذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن التغيرات المناخية ينتج عنها ما باتت تُعرف علمياً بـ«الأحداث المناخية غير المتوقعة»، وهو ما يفرض على الدول الاستعداد لمواجهة هذه الأحداث الطارئة.
وأضاف: «تعودنا منذ آلاف السنين على نمط معين للطقس وهطول الأمطار، لكن بدأت هذه الأنماط تتغير الآن، لتأتي لنا بأحداث غير متوقعة، مثل ما شهدته الدول العربية مؤخراً».
ويفسر نادي الهطول الشديد للأمطار في مناطق توصف بأنها شديدة الجفاف، استناداً إلى أن تلك الدول تقع على مسطحات مائية، ومع الاحترار العالمي ترتفع درجة حرارة المياه بتلك المسطحات، مما يؤدي إلى زياده بخار الماء، ويتسبب ذلك في دخول كميات أكبر من المياه إلى الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة وعنيفة.
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، زاد متوسط درجات حرارة سطح الأرض بنحو درجتين فهرنهايت (1.1 درجة مئوية)، وتؤكد البيانات المأخوذة من الأقمار الصناعية وبالونات الطقس والقياسات الأرضية أن كمية بخار الماء في الغلاف الجوي تتزايد مع ارتفاع درجة حرارة المناخ.
ويشير تقرير التقييم السادس للفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغير المناخ، التابع للأمم المتحدة، إلى أن إجمالي بخار الماء في الغلاف الجوي يتزايد بنسبة 1 إلى 2 في المائة كل عقد، ومقابل كل درجة مئوية ترتفع فيها درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، يمكن أن تزداد كمية بخار الماء في الغلاف الجوي بنحو 7 في المائة حسب قوانين الديناميكا الحرارية، كما يؤكد نادي.
وبلغة أبسط كثيراً، يقول أحمد أيوب، الباحث في المعهد المتوسطي لبحوث الزراعة بإيطاليا، إن اللبس الذي قد يكون قد حدث عند البعض من هطول أمطار صيفية غزيرة في مناطق توصف بأنها تعاني من الجفاف، ربما يكون ناتجاً عن فهم خاطئ للتغيرات المناخية.
ويوضح أيوب لـ«الشرق الأوسط» أن التغيرات المناخية ليست حرارة مرتفعة فقط، لكن في معناها الدقيق هي «أحداث مناخية متطرفة»، قد تكون هذه الأحداث موجات شديدة الحرارة أكثر من المعتاد تسبب الجفاف، أو انخفاضاً في درجات الحرارة أكثر من المعتاد، أو سقوطاً غزيراً للأمطار في وقت قصير يؤدي إلى سيول.
ويضيف: «وقوع مثل هذه الأحداث المتباينة مثل الأمطار الشديدة والجفاف الشديد في منطقة واحدة، هو تأكيد أن تلك المنطقة تعيش تأثيرات واضحة للتغيرات المناخية في تعريفها العلمي بأنها أحداث مناخية متطرفة».
من جانبها، توضح نسرين اللحام خبير المنظمة العربية للتنمية الزراعية، وهي الذراع الفنية لجامعة الدول العربية في مجال الزراعة والأمن الغذائي، أن هناك نوعين من الجفاف: «جفاف هيدرولوجي»، ويحدث عندما تكون حصيلة سقوط الأمطار في السنة أقل من المتوسط، و«جفاف زراعي»، وفي هذا النوع، ليس بالضرورة أن تكون الحصيلة السنوية لسقوط الأمطار قليلة، ولكنها تأتي في غير وقتها، فلا يكون لها فائدة كبيرة.
وتقول اللحام لـ«الشرق الأوسط»: «الجفاف الذي تعيشه الدول التي شهدت الهطول الكثيف للأمطار ينتمي للنوع الثاني، وهذا يفسر ما يبدو ملتبساً عند البعض من أنه كيف توصف مناطق بأنها شديدة الجفاف، رغم الهطول الكثيف للأمطار».
وتشير اللحام إلى اتساع رقعة الأحداث المناخية المتطرفة، فما حدث في الدول العربية يشبه ما حدث في دول أخرى، فأوروبا التي شهدت الصيف الماضي هطولاً شديداً للأمطار وسيولاً تعاني الآن من درجات حرارة مرتفعة للغاية، وجنوب أفريقيا التي عانت من الجفاف في السنوات العشر الماضية، شهدت هذا العام سيولاً وأمطاراً شديدة تسببت في وفاة 290 شخصاً.
ولأنه من الصعب العودة إلى ما كنا عليه قبل الدخول في عصر الظواهر المناخية المتطرفة، تشدد على أهمية الاستعداد لمثل هذه الأحداث، عبر تطوير البنية التحتية للصرف والرفع من القدرة التخزينية لاستيعاب مياه السيول.
وتوضح أن «المنظمة العربية للتنمية الزراعي تقوم في هذا الإطار بمشروعات تستهدف حصاد مياه الأمطار وزيادة مرونة المجتمعات في مواجهة آثار التغير المناخي واستخدام محاصيل تتحمل درجات الحرارة المرتفعة».
ويطالب مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، بضرورة الاستثمار في أساليب الزراعة الذكية مناخياً، لأن التغيرات المناخية أحدثت اضطراباً في فصول السنة، قد لا نستطيع معه زراعة المحاصيل في وقتها.
ويشير علام لـ«الشرق الأوسط» إلى أن من أساليب تلك الزراعة التي يجب الاستثمار فيها، هي الصوب الزراعية التي يتم تكييفها وفقاً لنوع المحصول المزروع بها، فيتم رفع درجة حرارتها لإنتاج محاصيل الصيف، والنزول بدرجة حرارتها لزراعة محاصيل الشتاء.
ما دعت اللحام، وأكد عليه علام، يستند إلى حقيقة أن الأحداث المناخية المتطرفة ستزداد تواتراً في المستقبل، وهو ما أكدته دراسة صادرة عن «جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا» في الإمارات العربية المتحدة.
وقالت الدراسة التي نُشرت في أغسطس (آب) العام الماضي بدورية «أتموسفير ريسيرش»، إن الدول القاحلة مثل الإمارات، حيث يتلقى الكثير من المناطق معدلاً أقل من 100 ملم من الأمطار كل عام، يجب أن تخطط للاستفادة من الهطول الكثيف للأمطار في أحداث الظواهر المناخية المتطرفة.
وقالت الدراسة إن الاحترار العالمي وتغير المناخ مسؤولان عن زيادة مدة أنظمة الحمل الحراري متوسطة الحجم (MCSs) في مناطق بحر العرب والخليج العربي والبحر الأحمر، بالتزامن مع الغلاف الجوي الذي أصبح أكثر دفئاً، لذلك من المتوقع هطول كمية أكبر من الأمطار في المستقبل، وبالتالي يجب تضمين استراتيجيات تخزين مياه الأمطار وخطط تصريف المياه في المدن الكبرى في استراتيجيات التخطيط الحضري للبلاد لتجنب الأضرار الناجمة عن الفيضانات، والاستفادة من كمية الأمطار الهائلة.

اقرأ ايضاً
بايدن إلى السعودية للقاء خادم الحرمين وولي العهد وحضور قمة خليجية بمشاركة عربية

المصدر: الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

باسكال سليمان

مقتل باسكال سليمان – اغتيال سياسي أو قتل بقصد السرقة

أعلنت قيادة الجيش اللبناني عبر منصة “إكس” مساء الاثنين أنها تمكنت من توقيف معظم أفراد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *