حرب السودان

حرب السودان – هل تتجه نحو التصعيد أو التهدئة؟

حرب السودان، تصعيد يخالف التيار. فبعد فترة طويلة من الحروب والتصعيد المستمر في المنطقة. ساىت أجواء من التفاؤل مؤخراً بسبب حالات التهدئة والمصالحات التي سادت بين ايران والسعودية، كذلك التهدئة في اليمن وسوريا. وبدأت الأجواء التصعيدية تميل نحو المصالحات. ولكن كان للسودان رأي آخر.

حرب خطوط تماس

أصبحت المواجهة بين الجيش النظامي و”قوات الدعم السريع” في حرب السودان تتحول إلى حرب خطوط تماس في العاصمة الخرطوم، وإلى حرب متحركة في الولايات السودانية الأخرى. في الخرطوم لم تتحرك خطوط التماس بين الطرفين. لم يتحقق اختراق عسكري لأي منهما لا في محيط القصر الرئاسي، ولا في المطار، ولا القيادة العامة للقوات المسلحة.

خطوط تماس

حالة تشبه الحرب اللبنانية

ومن هنا بدأت المعركة في العاصمة بمدنها الثلاث تشبه الحرب التي دارت لأعوام في العاصمة اللبنانية خلال الحرب الأهلية التي شهدت تحريكاً للخطوط خارج العاصمة، فيما ظلت ثابتة لأعوام طويلة بين بيروتين غربية وشرقية حتى انتهاء الحرب بعد سبعة عشر عاماً.

المقارنة مع الحرب الأهلية اللبنانية تدفع إلى استعارة عبارة «حرب الإلغاء» التي أُطلقت على المعارك التي دارت في لبنان في مطلع التسعينات من القرن الماضي، بين الجيش اللبناني الذي كان بقيادة العماد ميشال عون و«القوات اللبنانية» التي كانت بقيادة رئيسها الحالي سمير جعجع. «الإلغاء» الذي كان شعار تلك الحرب، هو كما يبدو الهدف الذي يدفع الجنرالين المتقاتلين في حرب السودان إلى الحرب بهدف إخضاع أحدهما الطرف الآخر أو القضاء عليه

توسع مناطق الإشتباك

في حرب السودان تترسخ الخطوط وتتحول إلى مواقع محصنة وثابتة في العاصمة الخرطوم حيث لا يملك أي من الطرفين إمكانية فعلية لاختراق وحسم المعركة بسرعة. حتى الطيران الحربي التابع للجيش النظامي الذي يحلق في سماء العاصمة ويقصف بعض المواقع، بدت عليه علامات توحي بمحدودية الإمكانيات التي تحول دون تأمين تفوّق حاسم للجيش النظامي.

بناء على ذلك نحن بإزاء تثبيت لخطوط تماس في العاصمة، وبدء تحريك لخطوط مواجهة في الولايات الأخرى. أولى الولايات المعنية هي دارفور وعاصمتها الإدارية مدينة الجنينة التي شهدت قبل يومين مواجهات، فيما أعداد كبيرة من السكان في الوجه القبلي للمنطقة بدأوا يعبرون الحدود نحو التشاد المجاورة تحسباً لاشتعال دارفور مرة جديدة، لا سيما أن هذه المنطقة شهدت في الماضي أعمال عنف وقتل وذبح واغتصاب وحرق، أدت إلى مقتل مئات الآلاف من المواطنين.

ماذا بعد انتهاء الهدنة

من ناحية أخرى فإن الخوف في دارفور منبعه أن المنطقة على حدود رخوة من التشاد يمكن أن يمر عبرها إمداد بالرجال والعتاد من دون أن تتمكن التشاد من ضبط المسألة. فالحدود التي نتحدث عنها تمتد لأكثر من 1200 كيلومتر ويستحيل السيطرة عليها.

اقرأ ايضاً
الكاظمي يغادر بغداد متوجهًا إلى طهران في زيارة رسمية
هدنة السودان

علاوة على ذلك فإن كل التقارير التي نقرأها تشير إلى أن حرب السودان التي اشتعلت بين الجيش السوداني و«قوة التدخل السريع» ستعود بدرجة أكثر حماوة، بعد انتهاء الهدنة التي تم الاتفاق عليها لإجلاء الرعايا الأجانب، وبعد أن يدير العالم عيونه إلى وجهة أخرى، ما يعطي انطباعاً أن هؤلاء المتقاتلين مستعدون للرأفة برعايا الدول الأخرى والاستجابة لرغبات حكوماتها، أكثر من الاستعداد للرأفة بشعبهم. بل إن كل شيء يشير إلى أن حرب الجنرالين لن تتوقف إلا بانتصار أحدهما على الآخر، أي أن السودان موعود بسيل من الدماء قبل أن تنتهي هذه الموجة من الحرب العبثية.

دور جنوب السودان

ما يثير الإستغراب أكثر من هذا أن جنوب السودان، الذي خاض حرباً مع الشمال، كما خاض الشمال حرباً عليه، كلفت الكثير من الأرواح والثروات ومزقت البلد، الذي كان أكبر بلدان أفريقيا قبل انفصال الجنوب عام 2011، تحول إلى وسيط.

بل أضحى من بين الدول والمنظمات التي تسعى لإنهاء القتال الدائر بين من كانوا يتشاركون المواطنة في الماضي غير البعيد مع أبناء الجنوب، فيما تستعد عاصمة جنوب السودان جوبا لاستقبال مفاوضات موعودة بين الجانبين، على أمل التوصل إلى صيغة لإنهاء هذه الحرب… يا للمفارقات ولانقلاب الأزمنة!

تخوف من فاغنر

يؤكد مراقبون أن مرتزقة مجموعة “فاغنر” موجودون في غربي السودان امتداداً إلى ما بعد الحدود في التشاد. ولعل تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل يومين رداً على سؤال حول وجود مرتزقة “فاغنر” على الأرض قد تتشارك في حرب السودان الذي أكد فيه أن المسألة قرار سيادي داخلي لكل دولة تريد أن تتعامل مع المجموعة كجهة خاصة تقدم خدمات مدفوعة.

مرتزقة فاغنر

هذا الموقف قد يكون دليلاً إلى أن روسيا ليست بعيدة من الأرض في السودان. وتؤكد وسائل إعلامية غربية أنها تدير مناجم ذهب في الولاية وتؤمن لها الحماية نيابة عن موسكو. في كل الأحوال، إن المشكلة التي سيواجهها السودان مع استمرار الحرب في العاصمة، وتمددها إلى الولايات الأخرى، تتلخص في تحلل متسارع لمؤسسات الدولة، بما فيها الجيش النظامي، ونمو ميليشيات قبلية وجهوية في عدد الولايات البعيدة من المركز. هذه هي طبيعة السودان كدولة مركبة.

حرب السودان طويلة الأمد؟!

وإذا كانت حرب السودان ستطول، ومعها سيتراجع نفوذ المركز في الخرطوم المتنازع عليه، فستنبت من تحت النار مشاريع تقسيمية تنبع أولاً من الهواجس الأمنية، ثم من الحاجات الاقتصادية والمعيشية، وأخيراً تعود إلى الواجهة مصالح قيادات محلية وطموحاتها السلطوية ستعتبر أن أمامها فرصة لكي تتقدم المشهد على أساس أن تحلل الدولة في المركز، واستمرار القتال يستنزف الدولة المركزية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية التي تشكل ضابط إيقاع الوحدة السودانية. وعليه، كل الاحتمالات مطروحة بالنسبة إلى مصير وحدة التراب السوداني الذي يمكن أن يصبح على المحك.

إن إيقاف القتال فوراً ضروري. فالهدن التي لا يحترمها أي من الفريقين غير مجدية. من هنا أهمية رفع منسوب الضغط الخارجي على الفريقين لئلا يسقط السودان في جحيم حروب متوالدة من رحم تحلل الدولة المركزية ومؤسساتها المتسارع!


شاهد أيضاً

الهجوم الجوي الايراني على اسرائيل

الهجوم الجوي الايراني على اسرائيل – رسائل ايرانية ومواقف دولية

ليلة أمس، بدأ الهجوم الجوي الايراني على اسرائيل باستخدام عشرات الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، وذلك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *