الهجرة اليهودية العكسية

الهجرة اليهودية العكسية – كابوس يهدد الحلم اليهودي

في الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية، حيث بدأ تهجير الفلسطينيين قسراً من بلدهم ليتم الإعلان عن إقامة الدولة اليهودية اسرائيل. نرى الإسرائيليين اليوم يهاجرون من أرض الفلسطينيين طوعاً بما يعرف بالهجرة اليهودية العكسية. ويبقى السؤال: كم من المقدر لهذه الدولة اليهودية أن تعيش؟

محاولات الإنعاش

على الرغم من محاولات اسرائيل دب الحياة في دولتهم عن طريق زيادة قوتهم العسكرية وتحسين واقعهم الإقتصادي. وأخيراً عن طريق محاولات التعايش مع دول الجوار عن طريق محاولات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية. وعلى الرغم من نجاحها إلا أن الموضوع الأهم لهذه الدولة المحدثة هو الهجرة اليهودية لم تتم السيطرة عليه.

بل بدأت المؤشرات تدل على زيادة معدلات الهجرة اليهودية العكسية بشكل أكبر من الهجرة إلى اسرائيل. ويعتبر فرار اليهود من دولة اسرائيل للعيش في بلدانهم الأم أكبر موضوع يؤرق السلطات حيث أن زيادة الهجرة هذه يمكن ان تؤدي ألى انهيار الحلم الإسرائيلي بتجميع اليهود في اسرائيل.

الهجرة اليهودية العكسية

وعلى الرغم من زيادة الهجرة إلى اسرائيل في العام الماضي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية حيث هاجر ما يقارب 75 ألف يهودي روسي وأوكراني إلى اسرائيل. إلا أن وصول نتنياهو على رأس حكومة يمينية متشددة إلى رأس السلطة في اسرائيل وطرحه لمشروع التعديلات القضائية. بدأ يتوضح للمهاجرين العلمانيين أن دولة اسرائيل في طريقها لتصبح دولة ديكتاتورية دينية متشددة وهذا ما دفع الإسرائيليين للخروج في مظاهرات غير مسبوقة وأدى لحدوث حالات عنف بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين كما أدى لزيادة الهجرة اليهودية العكسية بشكل ملحوظ.

الأسباب الرئيسية للهجرة

وبشكل عام يمكن أن نحدد الأسباب الرئيسية لظاهرة الهجرة اليهودية العكسية كمايلي:

  • مظاهرات متكررة وكبيرة من شأنها أن تشل الحياة الطبيعية في المدن الإسرائيلية.
  • قمع وحشي من قبل الشرطة لا يتماشى مع الدعاية التي تروجها القيادات اليهودية عن الديمقراطية في اسرائيل.
  • أوضاع إقتصادية متدهورة بالمقارنة مع أوضاع اليهود المهاجرين في بلدانهم الأم. حيث أصبح دخل الفرد أقل وأسعار المنتجات أكبر.
  • تحول اسرائيل إلى دولة ديكتاتورية متدينة. يكون لليهود المتدينين السلطة العليا.
  • قانون الإصلاحات القضائيى الذي يجعل المؤسسة القضائية تحت رحمة الحكومة اليمينية.
  • عدم وجود دستور لإسرائيل يمكن أن يوضح الحقوق والواجبات للمواطنين.
  • توسيع المستوطنات وما يترتب عليها من مقاومة الفلسطينيين واجبار المستوطنين على السكن في مناطق غير آمنة.
  • انعدام الأمن بسبب عمليات الطعن والخشونة المتبادلة بين المواطنين العرب والإسرائيليين
  • عدم التوافق لحل مع الفلسطينيين يبقي اسرائيل عرضة للحملات الصاروخية الفلسطينية المتكررة

عزوف عن الهجرة إلى اسرائيل

على مدار 7 عقود ونيف تتباهى الوكالة اليهودية بدورها في استقدام اليهود من حول العالم إلى فلسطين التاريخية، إلا أن الصراع على الحكم في إسرائيل والاحتجاجات المتواصلة ضد خطة الحكومة لإصلاح الجهاز القضائي، أدّيا إلى قلق الوكالة حيال رواج ظاهرة الهجرة العكسية لليهود خاصة العلمانيين منهم.

وتشهد إسرائيل في السنوات الأخيرة توجها متزايدا للإسرائيليين للانتقال إلى تجربة الحياة في الخارج، وهو التوجه الذي تحول مع تولي حكومة بنيامين نتنياهو -التي تعتمد على الأحزاب الحريدية والتيار الديني واليمين المتطرف- إلى ما بات يعرف بـ”الهجرة اليهودية العكسية”.

وتجلت هذه المخاوف عقب بيانات “دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية” -بشأن عزوف اليهود من أوروبا وخاصة أبناء الجالية في فرنسا- عن القدوم إلى البلاد.

فرار جيل الشباب

ووفقا لنتائج استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان”، فإن أكثر من 25% من اليهود البالغين (فوق 18 عاما)، يفكرون بالهجرة من إسرائيل تفكيرا جدّيا، في حين شرع 6% بإجراءات عملية للهجرة، وذلك بسبب تغلغل نفوذ الأحزاب الحريدية والتيار اليميني الديني لمفاصل الحكم، والإصلاحات بالجهاز القضائي التي يراها بعضٌ ممّن شملهم الاستطلاع “انقلابا على الديمقراطية ونظام الحكم”.

وأتى هذا الاستطلاع الذي شمل ألفين من اليهود، على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل ضد خطة حكومة نتنياهو لإصلاح الجهاز القضائي، وهو يعكس المزاج العام في المجتمع اليهودي في ظل اتساع الشرخ المجتمعي، ومعالم الإكراه الديني الذي تدفع به الأحزاب الحريدية.

خوف من المستقبل

وتقدر الاستطلاعات أن مئات آلاف اليهود يتجهون في المستقبل لهجرة إسرائيل، في حين يلاحظ أن الكثير من العائلات اليهودية تسدي النصائح لأولادها بالهجرة، واستصدار جوزات أجنبية أو حتى القيام بخطوات فعلية من أجل الهجرة.

اقرأ ايضاً
الكويتيون ينتخبون برلمانهم 29 سبتمبر

ويعزو فوكس ذلك إلى خوف شرائح واسعة في المجتمع اليهودي -وخاصة العلمانيين- من تداعيات إصلاح جهاز القضاء وتأثيره على الديمقراطية في إسرائيل، والتحولات الديموغرافية والأيديولوجية في المجتمع اليهودي الذي يتجه نحو اليمين والتدين المتطرف.

تناقص نسبة اليهود

وفي حلول نهاية عام 2022، بلغ عدد سكان إسرائيل 9.6 ملايين و656 ألف نسمة، وعدد اليهود 7.6 ملايين، بينهم 513 ألف نسمة ممن هاجروا لإسرائيل، وخاصة من دول الاتحاد السوفياتي السابق بموجب “قانون العودة” وهم ليسوا يهودا، بينما أكثر من 2 مليون نسمة من فلسطينيي 48 وأهل القدس الشرقية المحتلة، وفق دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.

ووفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية، بلغ عدد اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وهاجروا من البلاد حتى نهاية عام 2022، حوالي 900 ألف، علما أن الإحصاء لا يشمل أولادهم الذي ولدوا في الخارج.

وأظهرت البيانات أنه تم خلال العام 2022 استقدام 70 ألف يهودي إلى فلسطين التاريخية غالبيتهم العظمى من روسيا وأوكرانيا، وهي النسبة الأعلى من المهاجرين منذ الانتفاضة الثانية عام 2000 علما أنه في العام 2021 تم استقدام نحو 28 ألف مهاجر.

التكتم على البيانات

في المقابل، عمدت المؤسسة الإسرائيلية على التكتم على البيانات بشأن الهجرة اليهودية العكسية، بيد أن تفاقم أزمة الحكم وتراجع الأوضاع الاقتصادية وتصاعد التوتر الأمني مع الفلسطينيين، أظهر أن أكثر من ألفي يهودي روسي حصلوا على الجنسية الإسرائيلية عادوا إلى موسكو في العام الأول للحرب الروسية على أوكرانيا.

بنيامين نتنياهو

كما لوحظ ارتفاع بلغت نسبته 20% في عدد طلبات الإسرائيليين للحصول على جنسيات أجنبية خاصة من أوروبا وأميركا، وارتفاع بنسبة 15% في طلبات اليهود للهجرة من إسرائيل إلى دول الاتحاد الأوروبي وخاصة البرتغال.

تنامي نفوذ التيار الديني اليميني المتطرف

ويرجع تصاعد ظاهرة الهجرة اليهودية العكسية، إلى تنامي نفوذ التيار الديني اليميني المتطرف والأحزاب الحريدية في المجتمع الإسرائيلي، وتغلغلها في الوزارات الحكومية وسيطرتها على مقاليد الحكم بإسرائيل. وكانت الهجرة العكسية من أبرز التحديات والمشاكل التي تواجه إسرائيل منذ عام 1948، بيد أنه في ظل التغييرات المجتمعية والاقتصادية والقضائية التي يدفع بها نتنياهو في الأعوام الأخيرة، أُعيد للواجهة التفكير بالهجرة لأسباب ديموغرافية وأيديولوجية.

نتائج انتخابات الكنيست التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، افضت إلى صعود التيار الديني المتطرف والأحزاب الحريدية التي تدفع نحو تحويل إسرائيل إلى “دولة شريعة توراتية”، كانا بمثابة نقطة مفصلية لاحتدام الصراع ليس على الحكم وحسب، بل على هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

انقلاب أم اصلاح

هذ الصراع الذي عبّر عنه الكثير من اليهود بالهجرة اليهودية العكسية إلى أوروبا وأميركا حتى قبل الإعلان رسميا عن تشكيل حكومة نتنياهو، ينعكس في هذه المرحلة بالاحتجاجات غير المسبوقة والمتواصلة للشهر الخامس ضد خطة الحكومة للإصلاحات في الجهاز القضائي.

مظاهرات اسرائيل

إن ما تقوم به الحكومة ليس إصلاحا قانونيا بل إنه “انقلاب وتأسيس لدولة المستوطنين”، وعليه فإن التفكير بالهجرة موجود لدى اليهود، “بسبب الصراع على هوية وديمقراطية إسرائيل التي تتجه نحو الدكتاتورية”.

دوافع جديدة للهجرة

الهجرة اليهودية العكسية كانت تتم في السابق لأسباب اجتماعية واقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، وكذلك الظروف المعيشية الصعبة، بالمقارنة مع العيش في البلدان الأخرى، وعدم التأقلم في البلاد. وقد تنامت هذه الظاهرة مؤخرا بسبب الصراعات الداخلية بين اليهود حول هوية إسرائيل، وكذلك لتعزيز المخاوف والشعور بعدم الأمان مع احتدام الصراع مع الفلسطينيين وانسداد الأفق لأي تسوية سياسية مستقبلية”.

بن غفير

وبسبب انسداد الأفق بشأن استقرار الحكم بإسرائيل مع صعود اليمين الديني المتطرف للحكم، وتشريعات إضعاف جهاز القضاء وتقويض أسس الديمقراطية واستبدالها بإجراءات دكتاتورية، فإن ظاهرة الهجرة تتسع في صفوف الجيل الشاب، والأكاديميين، وأصحاب المؤهلات العلمية والأدمغة، وأصحاب رؤوس الأموال.

ولا يستبعد أن تتسع ظاهرة الهجرة العكسية خاصة في صفوف اليهود من ناخبي أحزاب المعارضة واليسار الصهيوني الذي تراجع حضوره بالمشهد السياسي، وكذلك في صفوف اليهود العلمانيين، مع تراجع الحريات وتعزيز السطوة على الاقتصاد والهيمنة على المجتمع، في ظل فقدان الأمن والأمان، وتصاعد التوتر الأمني مع الفلسطينيين.

شاهد أيضاً

مواجهة بايدن نتنياهو

مواجهة بايدن نتنياهو – فقدان ثقة بسبب تمسك الأخير بالسلطة

صرح مسؤول إسرائيلي بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر التصدي للرئيس الأميركي جو بايدن، مشيراً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *