فرنسا والصين

فرنسا والصين – هل تضع فرنسا يدها بيد التنين وتُغضِب الغرب

العلاقات بين فرنسا والصين يجعل الدولة الأوروبية محاصرة وقلبها يترنح بين خيارين متناقضين. الوفاء لاوروبا او تلبية رغباتها ولملمة جراحها الاقتصادية التي لا تزال تنزف منذ زمن كورونا مرورا بالحرب الاوكرانية. حضن الصين المفتوح يغريها، وقلب اوروبا وامريكا مليء بالشكوك. فهل ستختار الوفاء ام الانقلاب؟

حضور فرنسي كبير في الصين

الحقائق ملبدة بالغموض والاجابات مبهمة فلنحاول كشف الالغام المتعلقة يالعلاقات بين فرنسا والصين. باريس في مأزق. فرنسا تبرز في بكين كشخصية ذات حضور قوي. كما لو انها قطب لا يمكن تجاوزه. فمنذ عام الف وتسعمائة واربعة وستين. ترسخت الروابط الدبلوماسية بين الرئيس شارل ديجول وجمهورية الصين الشعبية. وعلى مر العقود انطلقت بكين وباريس في رحلة مشتركة مثمرة. حيث صقلت التجارية الضخمة تبادلا تجاريا حافلا في قطاعات متنوعة كالسياحة والطيران والطاقة والسيارات. اضافة الى المحاصيل الزراعية التي تقدمها فرنسا بصورة متجددة عبر حقول الشرق.

التنين الصيني

الشراكة الإقتصادية بين فرنسا والصين مزدهرة حيث يوجد اكثر من الف شركة فرنسية في الصين تجمع المصالح الصينية الفرنسية. ويقدر الاستثمار الاجنبي المباشر لها في بكين بنحو وعشرين مليار يورو. تتصدر فرنسا بذلك المرتبة الرابعة بين دول الاتحاد الاوروبي بعد المملكة المتحدة والمانيا وايطاليا في مجال الاستثمار الصيني. لكن في ظل تداعيات وباء كورونا واحداث حرب اوكرانيا بدأت وزارة الاقتصاد الفرنسية تنظر الى مستقبل العلاقات التجارية الثنائية مع بكين بنظرة قاتمة فقد شهدت الفترة زيادة في العجز التجاري بين البلدين. ما دفع حكومة ماكرون الى تحديد هدف صريح. هو اعادة توازن التجارة الثنائية. ومع ذلك فان تحقيق هذا الهدف ياتي في زمن صعب. حيث تشتعل الحرب على الجبهة الاوكرانية. وتبقى الصين في حجرة حميمية مع روسيا. الخصم اللدود لاشقاء فرنسا الاوروبيين وامريكا.

ارتفاع الاراء السلبية بين فرنسا والصين

ومن هنا يطرح السؤال. ستتصرف باريس وتدير امورها بحكمة في هذه الازمة. الصين سقطت من نظر فرنسا. وسط مساعي ماكرون لتقوية علاقته بالمارد الصيني في اجواء سياسية متوترة للغاية. ظهرت حقائق مربكة. حيث كشف الدبلوماسي الفرنسي بيير ماركوس عن لغز خطير من خلال تحليل صادم . فقد لاحظ انقلابا طاغيا في وجهات نظر فرنسا او بالاحرى الشعب الفرنسي حيال بكين. تحول جذري في مسيرة العشر سنوات الماضيات.

كانت باريس في كتابها الابيض الصادر عام الفين وثلاثة عشر. تراهن على رؤية عالمية متميزة تجمع فرنسا والصين في شتى المجالات. لكن اليوم بعد مضي عقد تقريبا ظهر الفارق بوضوح شديد. فقد أظهرت استطلاعات للرأي ارتفاع الاراء السلبية تجاه الصين في فرنسا من اثنين واربعين بالمائة عام الفين واثنين الى سبعين بالمائة في الفين وعشرين. وهو ارتفاع يضاهي تلك التي شهدتها الولايات المتحدة الامريكية في استطلاع مماثل.

تضارب المصالح بين فرنسا والصين

مفاجأة مذهلة. احدثت صدمة في قلب الدبلوماسية الفرنسية وفي ذاكرة العلاقات الثنائية بين فرنسا والصين. وتعود هذه بحسب موركوس الى ارتفاع مستوى الوعي بين الفرنسيين تجاه ممارسات النظام الصيني المنتهكة لحقوق الانسان. سواء في هونج كونج او في اقليم شينجيانج.

ولم يكن هذا الامر وحده الذي دفع الفرنسيين الى تغيير رأيهم. فقد ساهم الطابع العدواني والتصعيدي للدبلوماسية الصينية المعروفة بالذئب المحارب في تشويه صورة الصين في المرآة الفرنسية. كما ان منطقة المحيطين الهندي والهادئ شهدت صعودا مثيرا للنفوذ الصيني اقلق باريس التي لديها اقاليم ومستعمرات في تلك المنطقة ليستوطنها اكثر من 1.6 مليون مواطن فرنسي. لذلك باتت الضرورة ملحة لفرنسا لتأمين الاراضي المحيطة بها والحفاظ على مصالحها.

اقرأ ايضاً
المبعوث الأممي: الحوثيون يرفضون فتح الطرق

رغبة باريس في ان تصبح قوة مؤثرة

ماكرون

في كلمة للرئيس ماكرون وصف نفوذ الصين المتزايد جنوب المحيط الهادئ بانه يقلص حرياتنا ويضيق افاقنا. والان فرنسا والصين يوصفان بانها منافسان اقتصاديان وشريكان دبلوماسيان احيانا. يدرك ماكرون انه لن يحصل على ما يريد من الصين الا بالسياسة والدبلوماسية. وهنا يكمن السر.

الحفاظ على العلاقات التجارية والامنية بين باريس وبكين امر حاسم. ماكرون يناور على الجبهتين. زيارة الرئيس الفرنسي الى الصين ابريل الماضي وما تبعها من تصريحات الرنانة تعكس رغبة باريس في ان تصبح قوة مؤثرة ومتحكمة في الشؤون العالمية. فهي تسعى لاظهار نفسها بشكل فاعل في القضايا الدولية. وبينما يندلع الصراع العالمي متمثلا فوق الاراضي الاوكرانية فان ماكرون يقدم نفسه للعالم ولا سيما لاشقائه باوروبا. في ثوب الرجل الفاعل المؤثر.

محاولة فرنسا الفصل بين روسيا والصين

وفي الوقت الذي تضع امريكا موسكو وبكين في سلة واحدة فان ماكرون يتبنى خيار الفصل بين الصين وروسيا. وهو خيار غير واقعي. فالعلاقات بين بوتين وشي صارت مكشوفة للجميع. فيبدو ان ماكرون يراوغ لتبرير محاولاته في فتح حوار مع الصين وصديقتها روسيا.

من ناحية اخرى تتخذ الولايات المتحدة موقفا مختلفا تماما. اذ تصف الصين بالعدو المتحول وتتعامل معها كمصدر تهديد مباشر يهدد امنها القومي ومكانتها العالمية. بينما باريس تتبنى العلاقات بين فرنسا والصين وترى بكين منافسا وشريكا مهما ولا تضعها في خانة العدو. وترى فرنسا ان هذا الاعتدال في التعامل يجعل صوتها مسموعا في الاذان الصينية.

حفاظ الصين على علاقاتها مع أوروبا

بكين هي الاخرى تحاول التعامل مع الموقف بحكمة. فهي تعي اهمية تأمين علاقاتها التجارية مع الاتحاد الاوروبي. وتتجنب اي عقبات اقتصادية او تجارية تعترض طريقها. وتدرك تماما ان تقارب العلاقات بين الولايات المتحدة واوروبا يزيد من احتمالية تبني اوروبا بسياسات تحجيمية تعرقل مسيرتها التجارية. فواشنطن لن تكف عن ممارسة سياسة الاحتواء تجاه الصين. ما يجعل المارد الصيني ينظر الى انتشار افكار مثل الاستقلالية الاستراتيجية في اوروبا بنظرة ايجابية وهذا ما يساعد على تطوير علاقات فرنسا والصين.

تلك الاستراتيجية التي طرحها ايمانويل ماكرون في عام الفين وسبعة عشر ويتبناها اليوم بقوة. لو دخلت الصين على الجبهة. وبغض النظر عن ان الصين لا تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع في اوكرانيا فان التفكير الاوروبي والامريكي قد تخطى هذه المسألة الى ما هو ابعد واكثر تعقيدا. فاذا تم التوصل الى حل سلمي لحرب اوكرانيا في مرحلة لاحقة فان الصين بدورها ستلعب دور الضامن الاكبر لمصالح روسيا.

ماذا بعد انتهاء الحرب

بالنسبة الى فرنسا والصين فانهما يريان ان الصراع في نهاية المطاف لن ينتهي الا بالجلوس على طاولة المفاوضات. لذا فإن فرنسا تعلن ان اي جهد يسير في اتجاه السلام هو جهد يسير في الاتجاه الصحيح. لذلك رحبت بخطة الصين للسلام المطروحة في فبراير الماضي. بينما يتخوف الغرب من دخول السلاح الصيني الى ساحة المعركة في كييف. رغم انه لم تظهر اي دلائل حول مساعدة بكين لبوتين على الجبهة. غير شبهة امداده باشباه الموصلات.

وعلى الرغم من استفادة الصين بشكل غير مباشر من الصراع في اوكرانيا. حيث يشغل الولاية المتحدة الامريكية ويشتت جهودها ويحد من نفوذها في شرق اسيا وبحر الصين الجنوبي. ورغم ان امداد العملاق الشرقي لموسكو بالاسلحة قد يساعدها في استمرار هذا الانشغال. فان فرنسا واوروبا يذكران الصين دائما بان هذه المسألة لن تضر الامريكيين فقط. وان مستقبل العلاقات الاقتصادية بينها وبين اوروبا معرض للخطر. وهو الامر الذي يجعل التنين يفكر مليا قبل اتخاذ اي اجراء من هذا النوع.

فرنسا بسياستها المنفتحة تجاه الصين في الوضع الراهن المعقد بين الوفاء لاوروبا وجذب بكين يحولها الى ساحة للرهانات الاستراتيجية. فما العمل امام هذا الصراع المعقد.

شاهد أيضاً

majora water walk

المسيرة المائية ماجورا – احدث واخطر أسلحة الحرب البحرية

المسيرة المائية ماجورا هي الاسرع في البحر الاسود. لا يغرك صغر حجمها. فضربتها مدمرة لابعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *