اليوان الصيني

اليوان الصيني – هل ينجح في طرح نفسه عملة موثوقة للتبادلات التجارية الدولية؟

بدأنا نسمع مؤخراً عن محاولات الصين لطرح اليوان الصيني في معاملاتها التجارية بدلاً من الدولار الأمريكي. بالتأكيد كانت الصين تسعى لمثل هذه الخطوة منذ سنوات، ولكن الحرب الروسية الأوكرانية قد ساعد الصين بلا شك في التسريع من هذه الخطوة. فالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا أجبر الأخيرة لتوسيع نشاطاتها التجارية مع الصين وإلى السعي نحو انتاج نظام مالي جديد بعيداً عن نظام سويفت. دول مجموعة بريكس بدورها لطالما سعت إلى التخلص من سيطرة الدولار على التعاملات التجارية فيما بين دولها وبدأت كذلك التفكير بصنع عملة خاصة بها بحيث تكون مقترنة بالذهب. وهذه الميزة قد تعطيها أفضية في نظر الكثير من المستثمرين كون الدولار منفصل عن الذهب, وكون العالم يمر بمرحلة تنذر بوجود متغيرات قد تطرأ على النظام العالمي ككل.

الطموح الصيني

بشكل دائم تحاول الصين وضع عملتها (اليوان الصيني) كأساس في اعتماد تبادلاتها التجارية، وهدفها في الوقت ذاته أن تكون الدول المنتجة للنفط الخليجية والمصدرة له أول المفعلين لهذه الخطوة، وأيضاً للتعامل في البورصة الصينية مباشرة بدلاً من استعمال دولار «هونغ كونغ»

وعلى اعتبار أن الصين أكبر الدول المستوردة للنفط، وأكبر دولة مستهلكة له، واقتصادها الثاني عالمياً، تريد أن تحسن موقعها داخل سلة العملات العالمية حيث إنها في الموقع الخامس مقارنة بالدولار واليورو والاسترليني والين الياباني، بعد اعتماد البنك العالمي للعملة الصينية. وقد يستغرق هذا الأمر بعض الوقت.

يذكر أن العملة الصينية تشغل 2 في المئة فقط من المدفوعات مقارنة بـ50 في المئة للدولار الأميركي و22 في المئة للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، وهي مقارنة صغيرة بالنسبة لنظام «سويفت» التقليدي المتبع في التحويلات المالية.

المستفيد الأول من الحرب الأوكرانية

نظام سويفت

الدافع الأكبر الذي دفع الصين لمحاولة الصعود بعملتها هو استفادتها من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والمقاطعة الأميركية لروسيا وعدم إمكانية الروس من التعامل بالعملات الأجنبية ووقف التحويلات عبر «سويفت».

كذلك برزت مخاوف لدى بعض الدول التي راحت بدورها تبحث عن بدائل أخرى خارج نطاق التحكم المالي الأميركي، علاوة على كيفية ايجاد الوسائل للتبادل التجاري والمقايضة مثل النفط مقابل الغذاء، كما تعمل إيران حالياً مع الهند والصين، والتمسك بقدر الإمكان بالدولار الأميركي من بيعها للنفط. الأمر الذي قد يفسح المجال أمام اليوان الصيني كبديل ملائم للدولار.

توجه الصين نحو الخليج

كل ما سبق ذكره يفسر سبب التوجه الصيني نحو الدول الخليجية المصدرة للنفط، وحاجتها الماسة إلى الدولة المصدرة الأكبر للنفط وهي المملكة العربية السعودية حيث يفوق التبادل التجاري معها 90 مليار دولار، منها 45 مليوناً حصة السعودية من النفط. وبالتأكيد فإن جزءاً من الاتفاقيات مرتبط بالطاقة سواءً من استيراد النفط السعودي أو من بناء المصافي ومجمعات البتروكيماويات. حيث من الممكن تحويل جزء منها إلى الدفع باليوان الصيني.

لعل ذلك، قد يشجع الدول الخليجية الأخرى مثل قطر والإمارات قبول التعامل بـ(اليوان) مقابل تصدير الغاز. ومن ناحية أخرى، يجب عدم إغفال دور الكويت حيث كانت من أوائل الدول التي تعاملت بالبورصة الصينية مباشرة، عبر استعمال دولار هونغ كونغ، ثم عادت واشترت مباشرة بـ (اليوان).

نظام بريكس التجاري

بتنا نرى اليوم دولة الأرجنتين تتعامل وتدفع بالعملة الصينية لتخفف عن نفسها التزاماتها المالية الدولارية ولتخفف أيضاً عبء الدولار الأميركي. كذلك بدأت بعض الدول بالتوجه العملي بتأسيس مجموعة «بريك» وتضم الصين والبرازيل والهند وروسيا وإيران وفنزويلا لخلق نظام تجاري خارج إطار العملات الرئيسية، ومن المؤكد أن نرى دولاً أخرى قد تنضم لاحقاً.

اقرأ ايضاً
البحرين تطرح مناقصة لبناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 72 ميغاوات

بناء على ما سبق فإن مسؤولية الصين عظيمة وعليها مواجهة التحديات وأهمها تحرير عملتها من قبضة التحكم الحكومي عبر التمسك بسعر الصرف، والذي يؤثر حتماً على مستقبل عملتها. وفي حال أردات أن ترفع من ادائها فعليها اكتساب ثقة الأسواق المالية كما امتلكت حصتها وثقتها في منتجاتها وتجارتها الخارجية في مختلف الصناعات.

قادة مجموعة بريكس

ولكن يجب أن نفهم أن ازدهار اليوان الصيني لن يؤدي بالضرورة لأن يأفل نجم الدولار في الاقتصاد العالمي، وحتى العملة الأوروبية (اليورو) لن تفقد هيمنتها، لكن سنرى مستقبلاً العالم بالعملات الثلاث، شرط أن تحرر الصين نفسها من نفسها، وأن تتعامل بكل شفافية مع الدول النامية الكبرى مثل الهند والبرازيل والأرجنتين.

الصين والبرازيل

قد تكون أهم الخطوات الكبيرة نحو التخلي عن الدولار الأمريكي هي إعلان البرازيل والصين أنهما اتفقتا على استخدام عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري فيما بينهما، بدلًا من استخدام الدولار.

وتم الاتفاق خلال منتدى أعمال صيني برازيلي رفيع المستوى عقد الأربعاء في بكين، ويعتبر خطوة جديدة تضاف لسلسلة من الاتفاقيات السابقة نحو التعامل باليوان الصيني والريال البرازيلي بدلًا من العملة الأمريكية، بينما تستمر الصين بضم المزيد من الدول إلى دائرة البلدان المتعاملة باليوان والعملات المحلية في التجارة الخارجية.

تأثر السوق العالمية

کل من الصین والبرازیل تلعبان أدوارًا مهمة في شكل السوق العالمي، فالصين هي صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فيما تعتبر البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ويعدّ هذا الاتفاق هو الأول من نوعه الذي تعقده الصين مع إحدى دول أمريكا اللاتينية، لا سيما وأن بكين هي الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما نحو 150 مليار دولار العام الماضي، واذا نجحت في تحويل التجارة مع البرازيل الى اليوان الصيني والريال البرازيلي فستكون خطوة كبيرة بالنسبة للبلدين.

بدورها أعلنت الوكالة البرازيلية للترويج للتجارة والاستثمار (أبيكس برازيل)، في بيان لها أن “هناك توقعات بأن هذا سيخفض التكاليف ويعزز التجارة الثنائية أكثر ويسهل الاستثمار”، علما أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، حيث بلغت قيمة التبادل بينهما نحو 150 مليار دولار العام الماضي.

تأثر الدولار

منذ الحرب العالمية الثانية أصبح الدولار الأمريكي هو العملة المعتمدة في معظم الحركات التجارية العالمية، وهو ما يعطي الاقتصاد الأمريكي ميزة، لأنه يطبع الأوراق النقدية المستخدمة في التجارة الدولية، وهذا يشكّل فائدة للولايات المتحدة على حساب العملات المحلية في دول العالم، التي تكون مضطرة لشراء الدولار لتسديد تجارتها الخارجية.

بالطبع فإن اعتماد الدول على عملاتها المحلية أو على اليوان الصيني كبديل للدولار يعزز من اقتصادها ويساعدها على تخفيف كلف التبادل التجاري بين الدول، لكن في ذات الوقت الوصول لهذه المرحلة من التخلي عن الدولار يحتاج إلى إجراءات وسياسات تتطلب وقتًا طويلًا.

السعودية واليوان الصيني

 تعتمد السياسية الاقتصادية السعودية على الكثير من المرونة، والكثير من محاولات الخروج من السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط وعلى الاقتصاد النفطي والاقتصاد الخليجي بشكل كامل.

الصين والسعودية

ومع ذلك فإن تأثير القرار البرازيلي الصيني على الاقتصاد السعودي سيكون بسيطاً، لكن قد يؤثر بشكل فعال إذا ما اعتمدت المملكة العربية السعودية نفس الاتجاه الذي تفعله البرازيل الآن أي أن تقوم ببيع الدولار للصين باليوان الصيني، ولكنه في الحقيقة أمر مستبعد، لأن الدولار متجذر في كل التجارة البينية والخارجية حاليًا، وبالتالي ستتريث السعودية كثيرًا قبل إتخاذ مثل هذا القرار.

شاهد أيضاً

نتساح يهودا

نتساح يهودا – أول اعتراف أمريكي بالإرهاب الاسرائيلي

بعدما تسربت معلومات من مصادر أمريكية تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد يُعلن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *