تغير سياسة بايدن الخارجية

هل ستتغير سياسة بايدن الخارجية بعد تغير ميزان القوى في الكونغرس الأمريكي

نجا الحزب الجمهوري بشق النفس من الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، فاحتفظ حزب الرئيس بايدن بالغالبية في مجلس الشيوخ، بينما تشير النتائج إلى احتمال سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب “الكونغرس”. فهل هل ستتغير سياسة بايدن الخارجية بعد نجاة حزبه من هذه المحنة.

فوز بطعم الخسارة للجمهوريين

يعد هذا التوازن بين مجلسي الكونغرس والشورى بمثابة انتصار للديموقراطيين الذين كانوا يستعدون لتلقي هزيمة كبيرة في الانتخابات النصفية. أما فوز الجمهوريين المتوقع بالغالبية في مجلس النواب فهو انتصار بطعم الخ، لا سيما أنهم، استناداً الى كل الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات.

كان الجمهوريون يتأملون في أن تأتي النتائج بما يشبه الموجة الحمراء (لون الحزب الجمهوري)، أي انتصار بفارق كبير. لكن فوز الجمهوريين المتوقع بالغالبية في مجلس النواب إن حصل، سيكون بفارق ضئيل، وبغالبية ضعيفة. معنى هذا أن هزيمة الديموقراطيين لم تحصل، وكذلك انتصار الجمهوريين. وبناء على هذه النتائج هل سوف تتغير سياسة بايدن الخارجية أم ستبقى على ما هي عليه تجاه الملف الصيني والروسي والشرق الأوسط.

نجاة بايدن من صفعة كبيرة

لم تكن هذه النتايجة متوقعة واستعد الحزب الجمهوري لتلقى صفعة كبيرة، كانت ستنسحب على إدارة الرئيس بايدن نفسه. الأمر الذي كان سيضعه تحت وطأة ضغوط هائلة، لا بل حصار كبير ومضن من الجمهوريين في الكونغرس ويحوله الى “بطة عرجاء” في العامين الأخيرين من ولايته الرئاسية. اما بعد الإنتخابات وفي ظل التوازن الذي استقر بين الحزبين في الكونغرس يعتبر بايدن أنه خرج قوياً من المحنة الصعبة، ولا سيما أن تاريخ الانتخابات النصفية في الأربعين عاماً الأخيرة يفيد بأن حزب الرئيس غالباً ما يصاب بهزيمة أو نكسة في الانتخابات النصفية التي تحصل بعد عامين على الانتخابات الرئيسية.

نجاة بايدن

ما يعني أنه في حالة جو بايدن يمكن القول إنه شعر بنشوة النصر عندما صرح على هامش قمة “رابطة دول جنوب شرق آسيا – ASEAN” التي انعقدت في كمبوديا انه يشعر بأن نتائج الانتخابات النصفية جعلته أقوى وأكثر قدرة على اكمال أجندته الرئاسية التي بدأها مع توليه الرئاسة عام 2021 في إشارة إلى احتمال تغير سياسة بايدن الخارجية. إنه يعتبر تفادي الهزيمة انتصاراً. إن الحديث عن التطورات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة بناء على الانتخابات النصفية المشار اليها أمر يطول. لكن ماذا عن السياسة الخارجية التي تهمنا أكثر.

هل ستتغير سياسة بايدن الخارجية؟

معلوم ان السياسة الخارجية للولايات المتحدة عادة ما تكون من اختصاصات الرئيس. لذلك يتمتع الأخير بهوامش كبيرة في اتخاذ القرارات. صلاحياته واسعة وله قدرة على تجاوز قرارات للكونغرس عبر حق النقض “الفيتو” الذي يمتلكه عند حدوث خلاف كبير. لكن نتائج الانتخابات الأخيرة ستريح الرئيس بايدن الى حد بعيد، لا سيما ان التوازن في السلطة التشريعية سيتيح له التحرر من الضغوط المباشرة

وإن لم يرحه إلى حد القدرة على التوسع في تنفيذ أي أجندة خارجية يمكن أن تنتج منها زيادات كبيرة في الإنفاق، مثلما حصل في موضوع دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا بنحو أربعين مليار دولار من المساعدات المالية و العسكرية، اذ احتاج بايدن الى ان يمرر الموازنة في الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الديموقراطيون، الامر الذي كان سهلاً. أما الآن ففي حالة أوكرانيا، فإن الرئيس قادر على تأمين دعم على قاعدة توافق الحزبين يكون كافياً لإمرار مساعدات لأوكرانيا، وخصوصا أن قسماً رئيسياً من الحزب الجمهوري يدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.

خوف الجمهوريين من سياسات ترامب

أما الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يُخشى من علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدائه لكل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فقد خرج ضعيفاً من الانتخابات بعد فشل عدد معتبر من المرشحين الذين فرضهم فرضاً على الحزب الجمهوري، ما خلق نوعاً من التمرد ضده داخل حزبه، الأمر الذي يمكن أن يخلط الأوراق ويخفف من ضغطه على إدارة بايدن.

اقرأ ايضاً
بعد مباحثات مع ولي العهد.. سلطان بروناي يغادر جدة
سياسات ترامب

في هذه الحالة سيكون بايدن قادراً في الشهرين المقبلين، قبل ان يتسلم النواب والشيوخ المنتخبون الجدد مهامهم، أن يمرر حزمات من المساعدات عبر الكونغرس. ويمكنه أن يتابع امرارها بعد 20 كانون الثاني المقبل، لكن شرط التعاون مع الجمهوريين. وواضح ان إدارة بايدن ستواصل دعم كييف لمواجهة اكثر فعالية ضد القوات الروسية. إن تفادي الديموقراطيين الهزيمة في الانتخابات هو بالتأكيد خبر سيئ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولعله في المقابل خبر جيد للأوروبيين الذين يتنفسون اليوم الصعداء ويأملون أن لا تتغير سياسة بايدن الخارجية.

سياسة بايدن تجاه الصين

في الملف الصيني قابل بايدن نظيره شي جينبينغ يوم الاثنين في كمبوديا على هامش قمة “ASEAN “، لكنه كان في موقع تفاوضي أفضل. فبالتوازي مع سقوط الرهان الروسي على هزيمة حزب بايدن في الانتخابات النصفية الأخيرة سقط الرهان الصيني، لا سيما في ضوء الصراع الذي يتفاعل في بحر الصين حول أمن جزيرة تايوان ومصيرها.

سياسة بايدن تجاه الصين

هنا خلاف كبير وخطير لأن الاشتباك في حال غزو الصين الجزيرة يمكن ان يتطور ليصبح مباشراً بين قوتين عظميين. لذلك قال بايدن ما معناه إنه يرغب في إدارة الخلافات مع جينبينغ. والملفات عديدة بين الرجلين، أولها التوتر حول تايوان، ثم مسألة التنافس الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي بين البلدين، وصولاً الى التنافس في العديد من الدول والمناطق الجغرافية حيث تتداخل مصالح البلدين.

ماذا عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟

يقيننا ان إدارة الرئيس بايدن ستواصل هرولتها نحو ايران. بمعنى أنها لا تزال تراهن على العودة الى طاولة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني في فيينا، وصولاً الى التوقيع على اتفاق لإحياء الاتفاق الأصلي للعام 2015. مؤدى هذا أن تبقى الإدارة الأميركية على موقفها الهادئ الصامت حيال موجة الاحتجاجات العارمة التي تعصف بإيران، وهي ترقى الى مستوى الثورة، من أجل تأمين توقيع النظام الإيراني على الاتفاق النووي المطروح. كل هذا من دون أن تثار مسألتا تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي البعيد المدى، أو برنامج تطوير الطائرات المسيرة المهددة لأمن الدول الحليفة لأميركا في الشرق الأوسط.

اذن، تغير سياسة بايدن الخارجية لن يكون على مستوى مقاربة ملف ايران، و لا تغيير للطواقم التي تشرف على الملف. اما بالنسبة الى العلاقات مع الحلفاء في المنطقة فلا تغيير مهماً. ستبقى العلاقات بين إدارة الرئيس بايدن والحلفاء التاريخيين مشوبة بشيء من التوتر من دون أن تصل الى حد تجاوز خطوط حمر تضر الطرفين على حد سواء. وسوء التفاهم سيبقى طاغياً لعامين إضافيين، من دون أن يتحول الى خلاف أكبر وأكثر خطورة. بايدن لن يخطو خطوة تصالحية لاسيما تجاه المملكة العربية السعودية تخرج العلاقة من عنق الزجاجة لأنه يفكر في خوض الانتخابات الرئاسية للعام 2024. لكنه لن يذهب بعيداً في تسعير سوء التفاهم الراهن. سيحافظ على “ستاتيكو” من دون الذهاب بعيداً نظراً الى أهمية العلاقة الاستراتيجية التاريخية الثنائية. اما بالنسبة الى إسرائيل فيرجح أن تكون العلاقة في ظل حكومة جديدة يرأسها بنيامين نتنياهو متوترة على عكس العلاقة التي كانت مع سلفه يائير لابيد.

إننا لا نستشم في هذا الوقت بالذات معالم سياسة خارجية جديدة للرئيس الأميركي جو بايدن بعد الانتخابات النصفية الأخيرة. لذا يصح القول أن لا تغيير في العمق.

شاهد أيضاً

نتساح يهودا

نتساح يهودا – أول اعتراف أمريكي بالإرهاب الاسرائيلي

بعدما تسربت معلومات من مصادر أمريكية تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد يُعلن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *