خلافات اسرائيل الداخلية

خلافات اسرائيل الداخلية – دولة واحدة وانتماءات متناحرة

بدأت خلافات اسرائيل الداخلية تتصاعد منذ وصول نتنياهو إلى رأس السلطة في اسرائيل. وتصاعدت هذه الخلافات حتى وصلت داخل البيوت وأصبحت صراعات بين الأخوة. هذه الصراعات لا يمكن أن تنتهي حتى تحل كل الخلافات الجوهرية بين الإسرائيليين. ولن يحدث ذلك حتى قيام حل الدولتين الذي يضمن للفلسطينيين العيش بسلام في دولتهم وينعي الحالة الصهيونية التوسعية في اسرائيل.

خلافات اسرائيل الداخلية

في البداية اعتقد قادة الصهيونية أن حل المسألة اليهودية سوف ينتهي بإقامة دولة قومية لهم في فلسطين، لكنهم لم يتمكنوا من خلق هوية موحدة ومتجانسة للمواطن الإسرائيلي، ما أدّى إلى صراعات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي وبدأت مرحلة جديدة من المشكلات.

اليهودية، والصهيونية

اليهودية ديانة تخصّ اليهود، وتؤمن بمعتقدات وتتشبّه برموز دينية تختلف تماماً عن الصهيونية التي أحدث مفهومها أزمة عميقة لليهودية. فقد استولت على رموزها وحوّلت نفسها إلى حركة خلاصية يهودية تسعى إلى إقامة وطن قومي لليهود، داعية إلى إحداث انقلاب جذري في حياة اليهود عن طريق تخليصهم من حالة الاضطهاد الدائمة الممارسة بحقهم.

مظاهرات اسرائيل

بدأ الصراع ما بين اليهودية والصهيونية منذ ظهورها وأثر الصراع اليوم على خلافات اسرائيل الداخلية، ما زالت اليهودية ومختلف تياراتها الدينية ترفض الصهيونية وتعتبرها حركة علمانية ملحدة تمثّل خطراً على اليهود واليهودية، لاعتقادهم أن الدولة اليهودية سيقيمها الماشيح المنتظر، ولن تقوم على أيدٍ بشرية.

اليهودية والقومية

هناك تناقضات صارخة أخرى بين اليهودية والقومية. لقد حاولت الصهيونية إنتاج تطابق بين الدين والقومية، والادعاء أن لليهود أصلاً واحداً، وأن يهود العالم يشكلون قومية واحدة، ومن أجل خلق القومية اليهودية ابتدعت “إسرائيل” ما عُرف ببوتقة الصهر، من أجل محاولة صهر المجموعات اليهودية المهاجرة التي تفتقد التجانس من خلال مؤسّسات عامة كالهستدروت والكيبوتس والجيش.

لكن نجم عن هذا الخلط العشوائي لهذه الجماعات مزيد من التنافر والصراع والتوترات وكان سبباً في خلافات اسرائيل الداخلية، وخاصة بين اليهود الشرقيين والإشكيناز الغربيين، ومع توالي الهجرات فشلت بوتقة الصهر في بناء هوية قومية واحدة لليهود.

اليهودية والديمقراطية

كذلك اليهودية والديمقراطية المدعاة تحوي على تناقض واضح، ذلك أن اليهودية وما تتضمنه من معتقدات وتصورات عنصرية ستكون سبباً لخلافات اسرائيل الداخلية وتتنافى تماماً مع الديمقراطية التي تقوم على أساس المواطنة والحريات وحقوق الإنسان والاعتراف بالآخر وغيرها من المفاهيم.

الديانة اليهودية تصف شعب (إسرائيل) بشعب الله المختار، وعليه فإن أي شعب آخر يعتبر من وجهة نظرهم شعبا ًممثلاً بالدونية، وفي هذه الرؤية نزعات عنصرية واحتقار وكراهية للشعوب والجماعات غير اليهودية. فاليهودية ديانة انطوائية تضع الحواجز بينها وبين مختلف الأديان والشعوب، وهذا يتناقض مع أهم أسس الديمقراطية الداعية إلى الانفتاح والتسامح واحترام الرأي الآخر وتقبّله. فالديمقراطية لا تقبل بما تنطوي عليه اليهودية من معتقدات وممارسات تتناقض تماماً مع مبادئها وأسسها.

اقرأ ايضاً
مدير «تعليم جدة» يقف على انطلاقة اختبارات نهاية الفصل الثالث

التيار الديني والتيار العلماني

أحد أبرز خلافات اسرائيل الداخلية أيضاً هو الصراع بين التيار الديني والتيار العلماني. فقد هدفت الصهيونية إلى إقامة دولة قومية علمانية، وهو ما أدّى إلى صراع حاد مع الجماعات الدينية المتزمتة التي رفضت الصهيونية وخطابها من حيث المبدأ.

لكن مع الوقت اضطر التيار الديني إلى الانخراط في الحياة السياسية، في محاولة للتأثير على قرارات الدولة وثقافة المجتمع، وقد ولّد تنامي التيار الديني قلقاً في أوساط العلمانية المسيطرة على الدولة، وتوترات دائمة وصراعات متواصلة منذ إقامة الدولة حتى الوقت الراهن.

مصدر التشريع

مسألة الدستور كذلك تثير احتمال اندلاع حرب ثقافية بين المتدينين والعلمانيين، وخاصة بشأن اعتماد التوراة للتشريع في الدولة أو الاكتفاء بالكنيست كمصدر للتشريعات. وهو الأمر الذي من شأنه أن يعرّض “الفكرة الصهيونية للخطر” كما يعتقد البعض، ويعزز الطرح الذي يدعو إلى اعتماد الدستور فقط بعد “تجمع الشعب اليهودي من الشتات”.

الكنيست الاسرائيلي

التخويف من العرب

توصل قادة “إسرائيل” إلى ما يوحّد هذه الجماعات المتنافرة والمنقسمة، ألا وهو الخطر الذي يتهدّدها، عن طريق ترسيخ ثقافة الخوف والخطر الذي يمثّله العرب على وجود اليهود. ثم يأتي بعد ذلك سؤال: “من هو اليهودي؟”، القضية التي أثارت خلافات اسرائيل الداخلية بين مؤسسات الدولة والمؤسسة الأرثوذكسية، وترتّب عليها عدم الاعتراف من قبل المؤسّسة الدينية اليهودية بآلاف المهاجرين، في ظل تشجيع الصهيونية العلمانية على الهجرة إلى “إسرائيل”. 

والمهم هنا وفي هذا المجال أن العرب بصورة عامة ينظرون إلى أنّ حل القضية الفلسطينية هو على أساس حل الدولتين: «دولة فلسطين على حدود عام 1967، ودولة إسرائيلية»، لكن في حقيقة الأمر إنّ الحركة الصهيونية كانت ولا تزال ترفض هذا رفضاً مطلقاً وإنها بقيت تصر على أنّ ما تريده هو من البحر إلى النهر!.

دولة بدون دستور

خلافات اسرائيل الداخلية بين مختلف الشرائح والتيارات اليهودية تتمحور بالأساس حول هوية إسرائيل كدولة “يهودية ديمقراطية”، وحول علاقة الأرض والديانة اليهودية، والحريات وحقوق الأقليات وجوهر حقوق الإنسان. الخلافات تتمحور حول المبنى الهيكلي لنظام الحكم، وخاصة حول ما إذا كان من الضروري قبول دستور رسمي مكتوب كجزء لا يتجزأ من إقامة نظام ديمقراطي، ومنح كامل الحقوق لكافة الأقليات القومية والدينية والاجتماعية.

يجب أن يدرك الإسرائيليون أن حركة التاريخ لم تعد إلى جانبهم «كصهاينة»، فالصهيونية كما هو معروف قد كانت ولا تزال تعد حركة مرفوضة حتى من غالبية اليهود، وكلما تقدم العالم تزداد رفضاً وتتلاشى أكاذيبها وأوهامها التي حاولت تسويقها على اليهود وعلى العالم كله، وباتت معروفة للجميع بأنها حركة عنصرية وفصل عنصري وتدمر بأفكارها إسرائيلَ ذاتها، وخيرُ دليل على ذلك هذه الحرب الداخلية المشتعلة بين الإسرائيليين وتزايد أعداد المهاجرين عكسياً هرباً من جحيم إسرائيل وتطرفها.

شاهد أيضاً

نتساح يهودا

نتساح يهودا – أول اعتراف أمريكي بالإرهاب الاسرائيلي

بعدما تسربت معلومات من مصادر أمريكية تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد يُعلن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *