نزع حجة المعقولية

نزع حجة المعقولية – الشرارة التي ستدفع باسرائيل إلى الهاوية

كاللصوص في الليل اقرت الحكومة الغاء المعقولية. هكذا استنكر زعيم المعارضة في اسرائيل موافقة الكنيست على نزع حجة المعقولية من يد المحكمة العليا. تظاهرات واضطرابات هي الاكبر في تاريخ الدولة العبرية ضد خطة نتنياهو للاصلاح القضائي. بينما يراها المتظاهرون خطة لتدمير القضاء والاستيلاء على السلطة. ما قصة المعقول التي اثارت غضب الشعب الاسرائيلي؟ وماذا يحمل نتنياهو في جعبته؟ يصلح القضاء ام يسعى للثأر؟

ديمقراطية او تمرد

حكومة مجرمة، نهاية الديموقراطية، فليسقط الديكتاتور، شعار رفعه المعارضون في وجه نتنياهو بعد ستة ايام فقط من صعوده لكرسي رئاسة الوزراء في بيت اكدوم بالقدس. بسبب التعديلات القانونية التي تقدم بها مطلع يناير الماضي. تلك التي يسميها خطة الاصلاح القضائي. بينما تصفها المعارضة بانها محاولة للانقلاب على الديموقراطية.

في تطور للاحداث وافق الكنيست الاسبوع الماضي على مشروع قانون يقضي بنزع حجة المعقولية. ما هي الا ساعات حتى شهدت اسرائيل واحدة من اكبر المظاهرات في تاريخها. اكثر من سبعين موقعا استراتيجيا خطط المتظاهرون لاغلاقه في مختلف انحاء البلاد. بما في ذلك طرق رئيسية ومدخل المطار الرئيسي قرب تل أبيب معقل اليسار الاسرائيلي. وامام الكنيست رفع المتظاهرون العلم الاسرائيلي وقرعوا الطبول. وفي محيط السفارة الامريكية بتل ابيب لوحوا بالاعلام الامريكية والاسرائيلية وهم يهتفون ويصرخون بصوت عال مطالبين الرئيس الامريكي بقطع المساعدات الامريكية لبلادهم كورقة للضغط على نتنياهو بوقف اصلاحاته القضائية. وحمل كثير منهم لافتات كتب عليها الولايات المتحدة انقذينا. الضغط الدولي من فضلك.

يوم المقاومة

هكذا اطلق المحتجون على المظاهرات التي اندلعت ثلاثاء الاسبوع الماضي بسبب محاولة حكومة نتنياهو نزع حجة المعقولية. قوات الشرطة الاسرائيلية نزلت الشوارع بفرق الخيالة واستخدمت شاحنات الرش وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وعلق وزير الامن القومي اتمار بن غفير على دور الشرطة مبلغا مساعديه انه سعيد بسلوكها. وقال ان رجال الشرطة استخدموا القوة بالقدر المناسب.

المتظاهرين في اسرائيل

في الاخير تمكنت الشرطة من السيطرة على المتظاهرين باستثناء بضع عشرات في تل ابيب. لكن فرق الخيالة لم تستطع الوصول الى نيويورك. حيث يتظاهر امام القنصلية الاسرائيلية هناك حوالي مائتي شخص من المغتربين الاسرائيليين وحلفائهم من اليهود الامريكيين. يخيرون الحكومة بين امرين ديمقراطية او تمرد. وهتفوا ضد كبير مهندس خطة الاصلاح واحد المقربين من نتنياهو قائلين ياريف ليفين اسرائيل ليست بولندا. مشيرين الى خطوات التي اتخذتها بولندا في السابق لكبح السلطة القضائية. وظهرت عشرات النساء الاسرائيليات وهن يطأطئن رؤوسهن ويرتدين عباءات حمراء ويغطين رؤوسهن بغطاء ابيض. متبنين فكرة تلك الملابس من مسلسل حكاية الخادمة. وتظاهرن بها عدة مرات قبل ذلك.

نزع حجة المعقولية، حجة ناتنياهو للانتقام؟

المعقولية مبدأ قانوني تتمتع به المحكمة العليا حاليا في اسرائيل. ويسمح لها بالغاء قرارات الحكومة التي يرى القضاة عدم معقوليتها. نتنياهو يريد نزع هذه الصلاحية من يد المحكمة. من خلال مشروع قانون نزع حجة المعقولية. الذي يجب ان يتم تمريره بقرائتين اخريين في الاسابيع المقبلة قبل ان يصبح قانونا رسميا.

استخدمت المحكمة العليا المعقولية قبل ذلك عدة مرات. اقربها في يناير الماضي حين قرر نتنياهو تعيين ارييه درعي وزيرا للداخلية والصحة معا. قال القضاة ان تهرب درع من الضرائب اضافة الى ادانته بتلقي رشاوى في التسعينيات. تجعل من تعيينه وزيرا قرارا مجافيا للمنطق الى ابعد الحدود. لم يكن بوسع نتنياهو الا ان اجتمع بدرعي وقال له: بقلب مثقل واسف عميق وشعور بالغ الصعوبة اجدني مجبرا على اقالتك.

اقرأ ايضاً
«العدل» تشارك في المؤتمر الوطني الثامن للجودة

وندد نتنياهو بقرار المحكمة واصفا اياه بانه يتجاهل ارادة الشعب. وتعهد بايجاد اي مخرج قانوني ليعود درعي الى الكرسي. ولو كان نتنياهو وقتها خالف قرار القضاة لواجه اتهاما بازدراء المحكمة. اما الان اذا ما تمت الموافقة النهائية على مشروع نزع حجة المعقولية فيجوز لنتنياهو ان يضرب بقرار المحكمة عرض الحائط وان يعيد درعي لوزارتي الداخلية والصحة.

مزيد من السلطة

كما ستمنح الحكومة والكنيست مزيدا من السلطة على حساب النظام القضائي اذ سيتمكن البرلمان الاسرائيلي من الغاء قرارات المحكمة اذا صوتت الاغلبية على ذلك. ما يجعل للسياسيين دورا في اختيار وتعيين القضاة. لذا يتهم المعارضون الحكومة بتهديدها لاستقلال القضاء ومحاولة السيطرة على السلطة وتكتيم الافواه. ورغم ذلك حصل هذا التشريع على موافقة الاغلبية التي يملكها نتنياهو وشركائه في الكنيست التي تبلغ اربعة وستين مقعدا. بينما صوت ست وخمسون ضد التشريع.

السلطة التشريعية الاسرائيلية

تبقى التفاصيل حول هذه الخطة ومستقبل الديموقراطية في اسرائيل موضع جدل وتوتر. هل ستنتصر مطالب المتظاهرين وتتلاشى مخاوفهم بشأن الاصلاحات؟ ام ستستمر الحكومة في مسعاها لتحقيق اجندتها السياسية؟

ليس اختراعا اسرائيليا

يزعم نتنياهو وانصاره أن قضاة المحكمة العليا اصبحوا مجموعة نخبوية منعزلة لا تعكس ارادة الشعب الاسرائيلي. ويعتبرون ان المحكمة تجاوزت دورها ودخلت في قضايا ينبغي الا تنظر فيها. وترى المنظمات المحافظة وبعض اعضاء اليمين السياسي ان نزع حجة المعقولية من يد المحكمة سيجعلها تلتزم بالحدود المفروضة للسلطة القضائية وتمنعها من التدخل في قرارات المسؤولين المنتخبين.

ومن جانب اخر يعتقد المعارضون ان خطة نتنياهو ستلغي ضوابط وتوازنات السلطة التشريعية الاسرائيلية. وستؤدي الى تقييد الحريات المدنية والمزايا العلمانية التي يتمتع بها المجتمع الاسرائيلي. ويرون ان نتنياهو يريد الافلات من العقاب بسبب الاتهامات الموجهة له بالفساد. وتجدر الاشارة الى ان مبدأ المعقولية ليس اختراعا اسرائيليا. فهو مستمد من القانون الانجليزي. وتستخدمه العديد من الانظمة القضائية بما في ذلك بريطانيا وكندا واستراليا.

تحصين المدارس

قبل قانون نزع حجة المعقولية استخدمت محكمة العدل العليا الاسرائيلية هذا المبدأ وحكمت لصالح الملتمسين في مناسبات عديدة. منها ما حدث عام الفين وستة حين قررت الحكومة تحصين اربعة وعشرين مدرسة في منطقة حدود غزة لحمايتها من الصواريخ التي تطلقها الحركات المسلحة المتمركزة في غزة. كانت الطريقة المختارة تتمثل في تقوية غرف معينة داخل تلك المدارس ولكن ليس في كل فصل دراسي. حيث خلصت الحكومة الى ان التلاميذ الاكبر سنا يمكنهم الركض الى الغرف المحمية عند سماع صفارات الانذار.

تقدم اولياء الامور في مدينة اسديروت الاسرائيلية بالتماس الى المحكمة العليا ضد هذا القرار بدعوى ان الخطة لن توفر حماية كافية لاطفالهم بالنظر الى ان الوقت بين سماع صفارة الانذار وسقوط صاروخ محتمل هو خمسة عشر ثانية تقريبا. لذلك طالب الملتمسون بتحصين جميع الفصول الدراسية. رأت المحكمة بان خطة الحكومة لتأمين الطلاب غير فعالة وتتجاوز حدود المعقولية في ضوء العدد الكبير من الاطفال الذين يتعرضون لاطلاق الصواريخ وكون ذلك يمثل تهديدا خطيرا ويوميا على حياتهم. لذلك قضت المحكمة بتحصين كل فصل دراسي في تلك المدارس.

هكذا يمكن ان نفهم خطورة نزع حجة المعقولية من وجهة نظر الاسرائيليين. حيث يسعى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى الغائه. فيما وصفه بيني جانتيس رئيس حزب معسكر الدولة بانه لعب بالنار. وقال لاعضاء الكنيست قبيل التصويت على التشريع توقفوا هذا اخر نداء قبل السقوط في الهاوية.

شاهد أيضاً

نتساح يهودا

نتساح يهودا – أول اعتراف أمريكي بالإرهاب الاسرائيلي

بعدما تسربت معلومات من مصادر أمريكية تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد يُعلن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *