ممر القطب الشمالي – اسرع طريق بحري يربط شرق اسيا واوروبا

ذاب ثلج القطب الشمالي المتجمد وبان مرج ما تخطط له روسيا. فالاحتباس الحراري ان رأت فيه كل البشرية لعنة استخرجت منه روسيا نعمة وربما الكثير من النعم. والحديث هنا لا يدور عن ثروات القطب الشمالي المدفونة تحت جليده بل عن ممر القطب الشمالي. الطريق الذي كان متجمدا وقريبا سيغدو اسرع ممر بحري يربط بين شرق اسيا واوروبا.

المنافس الاشرس لقناة السويس

الطريق الى أوروبا عبر ممر القطب الشمالي اكثر سهولة وهذا بالضبط ما خططت له موسكو. عندما انفقت المليارات لتطوير الممر البحري الذي يبدأ من شمال اوروبا حتى اسيا ويمر عبر خمس بحار واكثر من خمسين ميناء بحريا. فما قصة طريق الملاحة الشمالي الجديد؟ وكيف سيسحب البساط من تحت قناة السويس؟ وما هي المشاريع التي بدأت حقا تهدد قناة السويس؟ لتسقط عن عرشها كاهم شريان ملاحي مائي في العالم. في المقالة سنجيب على كل هذه الاسئلة.

قطب الثروات

تحت هذا الجليد الذي يذوب بتسارع كبير في القطب الشمالي. اثنان وعشرون بالمائة من موارد الوقود الاحفوري غير المكتشفة في العالم وربما تسعين مليار برميل من النفط. والف وستمائة وسبعين تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. اضافة الى رواسب كبيرة من العناصر الارضية النادرة الضرورية للتكنولوجيات العسكرية والحاسوبية والصديقة للبيئة المتطورة.

مثل المركبات الكهربائية وتوربينات طاقة الرياح والالواح الشمسية. وعندما جاءت مصائب البشرية بالاحتباس الحراري فوائد على روسيا. يبدو ان هذه الفوائد كالمصائب لم تأتي فرادى. فممر القطب الشمالي الجديد الذي يبدأ من شمال اوروبا حتى اسيا ويربط بين المحيطين الاطلسي والهادئ عبر المتجمد الشمالي. ويمر على خمس بحار واكثر من خمسين ميناء بحريا. هو بمثابة قناة السويس الروسية والذي تسعى موسكو لتحويله الى اسرع ممر ملاحي في العالم.

عام 2030 – ممر القطب الشمالي

وان كان اليوم ليس صالحا للابحار الا في الصيف لكن عام الفين وثلاثين سيحمل معه ذوبان كل هذا الجليد عن الممر المائي. وهو ما تفطنت له موسكو منذ سنين عندما خططت ونفذت بعد تخصيص نحو واحد فاصل ثمانية تريليون روبل اي قرابة ثلاثين مليار دولار عام الفين واثنين وعشرين. من اجل تطوير ممر الملاحة الشمالي حتى العام الفين وخمسة وثلاثين. بهدف استخدام الممر الجديد في تصدير النفط والغاز الى الاسواق الخارجية.

لا سيما وان معظمه اليوم بات خاليا من الجليد الى حد كبير. ما سيجعل ممر الملاحة الشمالية خلال بضع اعوام طريقا تجاريا رئيسيا للبضائع المشحونة بين اوروبا واسيا. وبالتالي فان هذا الممر سيكون المنافس الاشرس لقناة السويس المصرية. بعد ان ظلت على مدار عقود عدة اهم ممر ملاحي يربط بين اسيا واوروبا.

اختصار الوقت والكلفة

وبنظرة الى موازين الوقت والتكلفة فان الرحلة من اسيا الى اوروبا تستغرق عبر ممر القطب الشمالي الجديد بالمتوسط ثلاثة وعشرين يوما. اما عبر قناة السويس فنحو اربعة وثلاثين يوما. وبحسب ناشيونال انتريست فان تهديد الطريق لقناة السويس جدي جدا لانها طريق ذات مزايا تجارية مقنعة للرحلات بين اوروبا والصين. اذ يمكن ان يكون بحر الشمال اسرع من قناة السويس باسبوعين الى ثلاثة اسابيع.

وان امعنا بالبحث اكثر فسنجد ان روسيا لا تلعب بهذا الميدان وحدها. بل تظهر الصين ايضا كمستفيد كبير من ممر القطب الشمالي. ولنا الدليل في هذا ان نستذكر قبل عام عندما ادى اغلاق قناة السويس لنحو ستة ايام بسبب جنوح سفينة ايفر جيفن التي يبلغ طولها اربعمائة متر، الى تكدس اكثر من اربعمائة سفينة وتعطيل التجارة العالمية. حينها ذكرت الصين في استثمارها بممر القطب الشمالي كبديل لقناة السويس.

موطئ قدم صيني

انفقت بكين في المنطقة حوالي تسعين مليار دولار بين الفين واثني عشر والفين وسبعة عشر من اجل ضمان موطأ قدم لها في طريق اقل عرضة للخطر الى السوق الاوروبية. ما سيمكن الصين من شحن كل ما تريد الى اوروبا عبر طريق تمتد حرفيا على الجزء العلوي من العالم.

منافس السويس

في وقت يبدو ان ملاحة ممر القطب الشمالي هو الاكثر خطرا على قناة السويس. فان دولا اخرى اطلقت مشاريع تهدف تنويع مسارات الشحن الدولي. بتكاليف اقل وخلال فترة زمنية اقصر من المسارات التقليدية وفي مقدمتها قناة السويس. ومن ابرز هذه المشاريع ممر شمال جنوب الذي ينطلق من روسيا ايضا. فهو مسار متعدد الوسائط يبدأ من ميناء سان بطرسبورج الروسي. وصولا لميناء مومباي في الهند والموانئ المطلة على الخليج.

ويبلغ طول الممر سبعة فاصل اثنين الف كيلو متر ويمر عبر ايران. وبحسب تقارير متخصصة فان ممر الشحن شمال جنوب يتضمن ثلاثة مسارات شحن دولية. الاول عبر بحر قزوين باستخدام السكك الحديدية والموانئ. اضافة الى مسارين بريين غربي وشرقي. وتدلل روسيا على اهمية هذا الممر عبر احصائيات تؤكد تضاعف حجم حركة البضائع عبر الممر. ليصل في الربع الاول من الفين وعشرين الى اثنين فاصل ثلاثة مليون طن. مع توقعات بان يزداد حجم حركة البضائع على طول المسار. لتصل بين خمسة عشر وسبعة عشر مليون طن سنويا بحلول عام الفين وثلاثين.

فرصة ذهبية لايران والعراق

ولان ايران وجدت فرصة ذهبية ايضا في ممر شمال جنوب لم تتأخر طهران عن توقيع اتفاقية مع موسكو. لتشييد سكة حديد بطول مائة واثنين وستين كيلو مترا بين ميناء استارا ومدينة رشت في ايران. ما يؤمن تشغيل الشحن بواسطة القطارات على طول الممر باكمله.

وعلاوة على ممر القطب الشمالي يبرز من منافسي قناة السويس ايضا ما بات يسمى شريان الشحن العراقي. وهو مشروع اسمه الرسمي طريق التنمية. اطلقته بغداد مؤخرا بهدف اختصار مسافة شحن البضائع بين اسيا واوروبا ووفقا للتصريحات العراقية فان قيمة المشروع تقدر بسبعة عشر مليار دولار. ويهدف الى ربط ميناء الفاو في جنوب العراق الغني بالنفط بتركيا عبر مد شبكة سكك حديدية وربط طرق النقل الرئيسية بميناء الفاو الرئيسي على شواطئ الخليج عبر تحديث وبناء اكثر من واحد فاصل اثنين الف كيلو متر من السكك الحديدية. وطرق سريعة تربط العراق بالدول المجاورة. ما سيحول العراق وفقا للقائمين على المشروع الى مركز عبور بحيث تنقل قطارات عالية السرعة البضائع والمسافرين بسرعة تصل الى ثلاثمائة كيلومتر في الساعة. اضافة الى مد خطوط الى مراكز الصناعة المحلية والطاقة بما في ذلك انابيب النفط والغاز.

الدولة العبرية

ومن العراق ننتقل الى اسرائيل حيث تبدو الدولة العبرية من بين اكبر المهتمين باسقاط قناة السويس عن عرش اهم شريان ملاحي بالعالم. وهو ما تجلى باعلان سلطات تل ابيب بدء العمل لانشاء قناة بن جوريون. التي ستربط بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط لتكون بديلة ومنافسة لقناة السويس. اذ ان المسافة بين ايلات والبحر المتوسط تقارب المسافة التي تمتد عليها قناة السويس لوصل البحر الاحمر مع البحر الابيض المتوسط.

قناة بن جوريون

وكما تروج روسيا والصين لممر القطب الشمالي تحاول اسرائيل الترويج لقناة بن جوريون من ايلات بانها ستختصر المسافة التي تجتازها السفن في قناة السويس بين البحرين الابيض والاحمر. وذلك بانها لن تقيم قناتها بالمبدأ ذاته الذي تعمل به قناة السويس اذ ان اسلوب القناة المصرية يقوم على وجود يوم تمر فيه السفن من اتجاه الى اتجاه. وفي اليوم الثاني يتم استعمال الاتجاه المعاكس للسفن الذاهبة للاتجاه المعاكس. اما قناة بن جوريون فستقوم على طريقة حفر قناتين مستقلتين. واحدة من البحر الاحمر الى المتوسط والثانية من المتوسط الى البحر الاحمر. ما يعني ان اي سفينة لن تنتظر يوم الذهاب او الاياب بل ستبحر على الفور.

انخفاض مدخول مصر

ومن الميزات التي تتحدث عنها تل ابيب حول قناة بن جوريون بان طبيعة الارض في ايلات صخرية قاسية تتحمل اي ضغط من دون اي تأثير. بعكس قناة السويس حيث طبيعة الارض رملية تحتاج لمتابعة دائمة. ووفقا لمخطط اسرائيل للقناة فانها ستكون بعمق خمسين مترا. وعرض لا يقل عن مائتي متر لكل قناة. اي زيادة السويس عشرة امتار بالعمق. كما ستستطيع سفينة بطول ثلاثمائة متر وعرض مائة وعشر امتار وهو اكبر قياسات سفن بالعالم من العبور في القناة التي ستبنيها اسرائيل ومن المقرر انجازها خلال خمسة اعوام. ضمن مشروع متكامل بتكلفة ستة عشر مليار دولار قابلة للزيادة. يتضمن اقامة مدن صغيرة وفنادق ومطاعم ونوادي سهر ليلية على القناة. مع توقعات اسرائيلية بان تدر قناة بن جوريون ستة مليارات في السنة وما فوق. ما يعني انخفاض مدخول مصر من عشر مليارات الى اربعة مليارات دولار من قناة السويس.

وبالعودة الى ممر القطب الشمالي باعتباره التهديد الاكبر لقناة السويس. ولان روسيا ومعها الصين تريدان تحويله لاهم ممر ملاحة عالمي. لكن يبقى لكل شيء ثمن. فان النعمة روسيا والصين قد تنقلب لمواجهة وربما لحرب مع كل اوروبا. التي تعتبر الممر العابر للقطب يقع بالكامل تقريبا في المياه الدولية. لانه يمتد من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادئ. عبر وسط المحيط المتجمد الشمالي. وان كانت حرب القطب الشمالي ما زالت تختبئ تحت ما تبقى من جليده فان ذوبان هذه الثلوج وخروج الثروات اولا. ثم تحويل الطريق الى ممر مناسب لحركة الملاحة بحرية تجارية على طول العام. قد يخرج هذه الحرب نارا من تحت ما كان جليدا.