محادثات السلام في جدة – هل تنتهي الحرب الأوكرانية من السعودية؟

اسم مدينة جدة السعودية عاد للظهور مجددا. لكن هذه المرة من اجل حرب ما زالت تقض مضجع كل الكوكب. فالمدينة السعودية التي استضافت محادثات حول السودان. تستضيف اليوم محادثات السلام في جدة بشأن حرب روسيا واوكرانيا. وان كانت المفاجأة باعلان السعودية ارضا لهذه المباحثات كبيرة. فان تفاصيل الدهشة فيها ازدادت مع غياب روسيا عنها. حتى وعدم دعوتها اصلا.

هل تغير موقف السعودية من الحرب

السعودية التي اتهمت قبل اشهر فقط من قبل امريكا بانها تتآمر مع فلاديمير بوتين من اجل رفع سعر النفط لتمويل حرب روسيا. لم تكتفي بتحول مواقفها عبر دعوة الرئيس الاوكراني لقمة العرب. بل ها هي اليوم تتحول لارض محادثات تتحدث عن مستقبل السلام في اوكرانيا. لكنها تتحدث عن هذا المستقبل كما يراه الغرب. ويريد تقريب مواقف دول نامية مؤثرة من مواقفه حول الحرب.

المشاركون في محادثات السلام في جدة

اذ ان ثلاثين دولة ستشارك في محادثات السلام في جدة حول حرب روسيا واوكرانيا. بينها كييف ودول غربية ودول نامية رئيسية مثل الهند والبرازيل وتركيا وجنوب افريقيا. اضافة لدول عربية وغير عربية مؤثرة مثل مصر واندونيسيا والمكسيك وتشيلي وزامبيا. كما ان قائمة المدعوين تشمل تلك الدول التي حضرت اجتماع كوبنهاجن يونيو الماضي.

مصدر أوكراني لـ"#العربية": صيغة السلام المقدمة في "مباحثات #جدة" تلقى دعمًا دوليًا pic.twitter.com/BavsbHFRGo

— العربية (@AlArabiya) August 6, 2023

فيما سيمثل الغرب من امريكا وبريطانيا وفرنسا وبولندا شخصيات رفيعة على رأسهم مستشار الامن القومي الامريكي جيك سوليفان.

آمال غربية

تأمل الدول الغربية ان تصل قمة جدة لابعد مما وصلت اليه سابقاتها. حين عصفت الخلافات بين الدول النامية التي لا تريد استعداء روسيا. والغرب الذي يبدو انه سيبذل الغالي والنفيس من اجل قلب طاولة التحالفات على موسكو. والوصول بمحادثات السلام في جدة التي تستثني روسيا الى دعم دولي لشروط السلام لصالح اوكرانيا. والتحضير لقمة سلام في وقت لاحق في عام الفين وثلاثة وعشرين. حيث سيوقع قادة العالم على المبادئ المشتركة للتسوية. ما يعني بان قمة جدة ستقدم المبادئ الرئيسة التي ستكون اطارا للمفاوضات المستقبلية بين روسيا واوكرانيا لصالح كييف.

خاصة وان هذه المبادئ بحسب تقارير الغرب ترتكز على صيغة سلام من عشر نقاط قدمها الرئيس الاوكراني فلودومير زيلينسكي. وتدعو الى انسحاب القوات الروسية الكامل من اوكرانيا والافراج عن جميع اسرى الحرب والمبعدين وضمان امن الغذاء والطاقة. اضافة لضمانات امنية لاوكرانيا بمجرد انتهاء القتال واستعادة الامان حول محطة الطاقة النووية المحتلة زابوريجيا.

لماذا جدة؟

لكن يبقى السؤال لماذا اختار الغرب السعودية لاحتضان هذه المحادثات؟ وهل من الممكن من وجهة نظر محللين سياسيين ان يكتب لمحادثات السلام في جدة النجاح؟

للاجابة على هذه الاسئلة يمكننا ان نتذكر اولا المبادئ التي تطرحها روسيا قبل حتى فتح اي حديث عن مفاوضات سلام مع اوكرانيا. اذ تقول موسكو التي اعلنت ضم نحو سدس اوكرانيا انها لن تقبل بعقد محادثات سلام مع كييف الا اذا قبلت بالحقائق الجديدة. وبهذا هي تشير الى الاراضي الاوكرانية التي سيطرت عليها.

واذا استمعنا لما تقوله اوكرانيا في المقابل. وما تطرحه من شروط قبل بدء اي مفاوضات فانه بحسب كييف على روسيا ان تسحب كل قواتها فورا من كل اراضي اوكرانيا وهو الشرط الرئيس بالنسبة للغرب لاجراء المفاوضات مع روسيا. ومن هنا يمكن لحظ الهوة الكبيرة غير القابلة للتجسير بين ما تعلنه روسيا وما تطلبه اوكرانيا ومن خلفها الغرب.

غياب روسيا

كما ان غياب روسيا عن قمة جدة يعني ان الطرف الذي بيده انهاء الحرب اصلا غير موجود. حتى ان الحذر من موسكو بدا واضحا بتعليقها على انعقاد محادثات السلام في جدة. عندما اكتفى الكرملين بالقول انه سيراقب عن كثب ويسعى لمعرفة المزيد من المعلومات عن اهداف المحادثات ان كانت ايجابية.

الهدف من المباحثات

وبالتالي يمكن فهم الهدف الاخير من محادثات السلام في جدة بانه ليس التفاوض حول حلول للسلام. بل اقناع الدول النامية بالانقلاب على روسيا ووضع كل بيضها بسلة الغرب. وهو ما ستقدمه امريكا ومعها اوروبا للدول الرئيسية النامية. على انه الحل الوحيد لاضعاف فلاديمير بوتين بتحقيق اجماع عالمي ضده. وبعد هذا يضحي السلام ممكنا عندما يجد الدب الروسي نفسه وحيدا. ومن هنا يمكن فهم لماذا تم اختيار السعودية لتكون ارض التحضير لهذا الاتفاق ضد بوتين.

محاولة قلب موقف الصين

والامر طبعا ليس خافيا. فحتى صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن دبلوماسيين غربيين قولهم ان اختيار السعودية لاستضافة المحادثات كان على امل اقناع الصين بالمشاركة اي محاولة تحقيق اكبر انقلاب ممكن بالمواقف من حرب اوكرانيا. فالقاصي والداني بات يعلم التنامي المفاجئ وغير المسبوق بالعلاقات السعودية الصينية. حتى ان الصين من رعت اتفاقا ظنه كثيرون مستحيلا بالتقارب بين السعودية وايران.

نفي الاتهامات الغربية

كما ان ما شجع امريكا ودول الغرب على تكليف السعودية باستضافة محادثات السلام في جدة ما بدا للعالم انها محاولة الرياض لنفي شبهات وتهم قالتها واشنطن لها. بانها تميل نحو روسيا بحربها ضد اوكرانيا. بل وتساعدها على تمويل الحرب عبر الاتفاق مع موسكو على خفض انتاج النفط لرفع سعره. ما يمكن بوتين من ملء خزينته.

حيث شاهد العالم كيف حضر زيلسكي قمة العرب في الرياض وكانه ابن البيت. كما طار وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان الى كييف. ليؤكد لزيلينسكي حرص المملكة سيادة اوكرانيا على اراضيها وحل الازمة سياسيا. مع تقديم المساعدات لاوكرانيا من اجل تخفيف الاثار الانسانية الناجمة عن الحرب. ما حدا بالرئيس الاوكراني لشكر السعودية على دعم السلام في اوكرانيا وسيادتها.

دور السعودية في حرب أوكرانيا

تسعى الرياض لتكون لاعبا رئيسيا في اي مفاوضات بدت واضحة للجميع. وفي هذا ما يمكن التدليل عليه بعدد المرات التي فيها السعودية دورا بتبادل الاسرى. لكن هل كل هذا يعني ان دور الوساطة السعودي قد ينجح؟ وهل حقا هي جهود وساطة؟

ربما من اجل هذا يجب ان نعرج على ما اعلنه الروس في ختام القمة الروسية بان روسيا تلقت قرابة ثلاثين مبادرة لوقف الحرب في اوكرانيا عبر قنوات رسمية واخرى غير رسمية. وفي هذا الامر تقول المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بان روسيا لم ترفض ابدا المفاوضات مع اوكرانيا لانهاء الصراع. مع التذكير بان المفاوضات التي جرت في ابريل الفين واثنين وعشرين انسحبت منها اوكرانيا ولم ترد على الوثائق والطلبات التي ارسلتها روسيا.

من يفشل المفاوضات

طبعا والكلام هنا كما يقوله الروس هدفه الاشارة الى ان اوكرانيا من تفشل التفاوض. خاصة وان كييف تعلن في كل مناسبة ان اي تفاوض للسلام يجب يتخذا خطة السلام الاوكرانية كاساس لانهاء الحرب. ما يبرز حقيقة ان منطلق تفاوض كل طرف بعيد عن الاخر وكانهما لن يلتقياه. فموسكو تريد الاحتفاظ بما سيطرت عليه. وكييف تريد انسحابا فوريا غير مشروط. ولنا هنا ان نستذكر بعض المبادرات لانهاء الحرب التي سبقت محادثات السلام في جدة هذه. لكن ايا منها لم يؤخذ حتى على محمل الجد.

• طرحت اندونيسيا لانهاء الحرب الروسية الاوكرانية عندما اقترح وزير الدفاع الاندونيسي خطة لانهاء الازمة تتضمن انشاء منطقة منزوعة السلاح. وتنظيم استفتاءات تحت اشراف الامم المتحدة في جميع الاراضي المتنازع عليها. وبالطبع اصطدم الاقتراح الاندونيسي برفض غربي كبير. لانه بحسب الاوروبيين لا يحقق السلام في اوكرانيا بل هو استسلام اوكراني لصالح روسيا.
• البرازيل ايضا طرحت اقتراحا بتشكيل مجموعة اتصال. يكون قوامها دول غير ضالعة في الحرب بهدف الوساطة من اجل احلال السلام. الا ان المقترح لم يمضي قدما.
• الفاتيكان اعلن ايضا استعداده تقديم المساعدة في اي نوع من الوساطة بهدف التوصل الى وقف اطلاق النار في اوكرانيا.
• اعلنت تركيا والامارات والسعودية ومصر استعدادها للعب دوري الوساطة. وفي الفين وثلاثة وعشرين.
• قدمت الصين مقترحا للسلام من اثني عشر بندا. تركز على احترام سيادة كل الدول ووقف الاعمال العدائية. وايجاد حل للازمة الانسانية. لكن المقترح الصيني بقي حبيس ادراج كييف وموسكو على حد سواء.
• وفي يونيو الماضي اطلقت افريقيا مبادرة لوقف الحرب من عشرة بنود. تركز على خفض التصعيد من الجانبين ضمان سيادة الدول والشعوب وفق ميثاق الامم المتحدة مع توفير ضمانات امنية لجميع البلدان. اضافة لضمان حركة تصدير الحبوب والاسمدة من الدولتين. وتحقيق السلام عبر المفاوضات من خلال الطرق الدبلوماسية.

كان الرد الروسي بان المبادرة الافريقية صعبة لكن بوتين مهتم بها. حتى ان بوتين ذاته قال في اعقاب القمة التي جمعته مع قادة دول افريقية ان مبادرتي الصين وافريقيا يمكن ان تشكل اساسا للسلام في اوكرانيا.

لكنه تحدث ايضا عن اشياء يستحيل تنفيذها. مثل موافقة روسيا على وقف اطلاق نار بينما تتعرض هي للهجوم. اي ان روسيا حين توافق على وقف الحرب بينما تحتفظ بما سيطرت عليه من اراضي اوكرانيا. فان اوكرانيا ستستمر بالحرب. لان اساسها التفاوضي انسحاب روسيا. وكل هذه المعطيات تؤكد صعوبة وصول محادثات السلام في جدة لحل في اوكرانيا. ما يعني انها لن تركز على الوصول لسلام وايقاف الحرب بقدر ما ستركز على استقطاب الدول النامية الرئيسية للجانب الاوكراني الغربي. على الاقل من اجل توسيع العقوبات على موسكو. ما قد يضعف موقف موسكو ويجبرها على التفاوض يوما ما.